Recent in Games

3/Games/post-list

الأثاث

1 comment


الأثاث    Furniture



هو كل ما يكتسيه المرء ويستعمله في الغطاء والوطاء، أو هو كل ما وجد من متاع، ولا واحد له. والمتاع كل ما ينتفع به من الحوائج، أو هو كل ما ينتفع به من عروض الدنيا كثيرها وقليلها سوى الفضة و الذهب.
والأثاث في العرف كل الحوائج الثابتة والقابلة للتحريك والنقل التي تفيد الإنسان في مسكنه وأماكن عمله والأماكن العامة، وتلبي حاجاته اليومية، من جلوس ونوم وراحة، وتحفظ أشياءه





الأهمية


يعد الأثاث عنصراً متمماً للعمارة وملازماً لها، ويعتمد تصميمه كثيراً على وظيفته وعلى الفراغ الذي سيوضع فيه وتناسقه مع المكان، وقد نفذت بعض قطع الأثاث في العصور المختلفة بأسلوب جميل ومهارة فائقة فعدت من الأعمال الفنية البديعة واستحقت أن تحتل مكانها اللائق في المتاحف لكونها قطعاً فنية، وفي القرن العشرين توصل عدد من المهندسين والمصممين وصناع الأثاث إلى صنع قطع أثاث فنية روعيت فيها الناحية الجمالية على حساب الوظيفة إن لم تكن الوظيفة قد أهملت تماماً فيها.
يتألف الأثاث عادة من قطع أساسية وقطع مخصصة لوظائف معينة، وقد يكون الأثاث شبه ثابت أو قابلاً للتحريك والنقل. وتصنف قطع الأثاث بحسب الوظيفة إلى قطع معدة للراحة والاستناد والحمل. كالسُرر والفُرُش والأرائك والكراسي والمقاعد والطاولات، وقطع معدة للحفظ والخَزْن كالصناديق والتخوت والأصونة والخزائن والمكتبات. وأما الستائر والأواني والأغطية والملاءات والمرايا والمصابيح وما يماثلها فهي تجهيزات ومفروشات تزيينية ومكملة ولا تعد من الأثاث، وأما القطع الثابتة تماماً والمثبتة على جدران المسكن فتعد جزءاً من متممات الغرفة وتزيينها كالخزائن الجدارية والمكتبات والزوايا الثابتة
احتاج الإنسان إلى الأثاث منذ أقدم الأزمنة وبقيت قطع الأثاث الرئيسية متشابهة في أشكالها وأنواعها ووظائفها على مر العصور، ومع أن مظهرها العام لم يتبدل كثيراً فقد تبدلت أنماطها وطرزها وزخارفها وأساليب صنعها بين عصر وآخر ومكان وآخر، فالأثاث جزء من البيئة التي يكونها الإنسان لنفسه، ويعكس تاريخ الأثاث نظرة الإنسان إلى شؤونه المعاشية ومستوى تطوره في كل زمان ومكان، شأنه في ذلك شأن العمارة والطراز (الأزياء). وقد طورت الحضارات المختلفة أنواعاً كثيرة من طرز الأثاث وأنماطه والمواد والتقنيات المستعملة في صناعته، وكان لأوربة شأن كبير في هذا المجال وخاصة في القرون الأخيرة، وعلى العكس من ذلك فإن بعض أجزاء آسيا لم تستعمل المقاعد والكراسي والسرر، كما لم تستعمل بعض الأثاث المعد لحفظ الأشياء، لأن الناس في تلك المناطق اعتادوا النوم والجلوس والراحة على أرض أو أرضية فرشت بالبسط والزرابي والسجاد والحشيات وغيرها وخاصة في البوادي والمناطق الصحراوية. فالأثاث في هذه الحضارات يختلف كثيراً عن الأثاث العربي الإسلامي وكان تطوره مغايراً لخط تطور الحضارات الأخرى. وعلى كل حال فقد شاع اليوم استعمال الأثاث التقليدي الغربي حتى عمّ العالم، وكثيراً ما يعدل هذا الأثاث ويكيف تمشياً مع التقاليد الوطنية والمحلية.
المواد المستعملة في صناعة الأثاث
تستعمل في  صناعة  الأثاث مواد مختلفة تتبدل تقنيات معالجتها وتتطور بتطور الإنسان، بدءاً من الحجر والطين إلى الخشب والمعدن بأنواعه إضافة إلى الزجاج والألياف الزجاجية واللدائن والعظم والعاج والصدف والجلود وأنواع الطلاء المختلفة.
الخشب
يعد الخشب أكثر المواد الأولية انتشاراً، ولعله أكثرها مواءمة، في صناعة الأثاث. وفي الطبيعة أنواع لاحصر لها من الأخشاب المختلفة التي يمكن استعمالها لهذه الغاية، ولكن بعض أنواع الخشب اختصت بصفات وميزات طبيعية وضعتها في المرتبة الأولى عند مصممي الأثاث والمهندسين والحرفيين.
والخشب مادة متوافرة في الطبيعة ويمكن التعامل معها بأشكال مختلفة، إذ يمكن صبغ الخشب وطليه وتمويهه ولصقه وتشكيله باليد أو بأدوات النجارة والحفر والقطع والتطعيم، كما يمكن حني الخشب وليه إذا ما سخن بالبخار للحصول على الشكل المطلوب، وهو يحافظ على شكله هذا حين يبرد، وتوفر عروق الخشب وحلقاته السنوية بنية متعددة الصفات وتمنحه سطحاً طبيعي الزخرفة يمكن معه تشكيل نماذج مختلفة بترتيب لصق الأجزاء الخشبية وفي أوضاع متقابلة أو متعاكسة أو باستعمال أنواع مختلفة من الخشب.
تتنوع ألوان الخشب بين الأبيض والأصفر والأحمر والبني والرمادي والأسود، بين هذه الألوان تدرجات لونية لا حصر لها، ولبعض أنواع الخشب روائح عطرية متميزة، وقد عرف صناع الأثاث هذه الخصائص منذ القديم واستثمروها - وخاصة صناع المشرق العربي والشرق الأقصى - والخشب مديد العمر إذا ما حفظ في شروط مناسبة، وقد عثر على قطع من أثاث من حضارات موغلة في القدم, وما تزال في حالة مقبولة.
أما أكثر أنواع الخشب استعمالاً فهو السنديان والبلوط والجوز والزان والعرعر والخشب الأحمر والوردي إضافة إلى الأخشاب الثمينة مثلالأبنوس والماهوغاني وغيرهما.
وقد ساعد تطور صناعة الأخشاب وأدوات النجارة والتقنيات المستعملة في معالجة الأخشاب منذ نحو قرنين وإلى اليوم في إنتاج أثاث خشبي رخيص الثمن نسبياً وفي زمن قصير، واستخدمت مواد جديدة أساسها الخشب المعالج كنجارة الخشب المضغوطة وقشر الخشب وأليافه والخشب المخرم والهيكلي وألواح الخشب المصمتة والمعاكس والمصفح والمطبق وغير ذلك.
وقشر الخشب veneer رقاقة من خشب خاص عالي الجودة، تنشر وتقطع بمناشير خاصة يدوية أو ميكانيكية، وتلصق على هيكل أو أساس خشبي من نوعية أدنى فتعطيه مظهراً جميلاً وسطحاً أملس. وإكساء قطع الأثاث قشر الخشب معروف منذ العصور القديمة ولكنه لم يستغل استغلالاً كاملاً حتى أوائل القرن العشرين.
أما ألواح الخشب المضغوطة فتصنع من بقايا الأخشاب المنجورة والتالفة بعد تقطيعها و«فرمها» نثرات صغيرة وعجنها بالغراء ثم سكبها في قوالب تحت الضغط حتى تجف، وهي تنتج بثخانات مختلفة وتستعمل في صنع سطوح قطع الأثاث بعد إكسائها القشرة، ولكنها لا تتمتع بمتانة الخشب الطبيعي أو متانة ألواح الخشب المصمتة أو المعاكسة أوالمصفحة.
تصنع ألواح الخشب المعاكس (البلاكيه) playwood من عدة طبقات من قشر الخشب تلصق إحداها فوق الأخرى بطريقة متعاكسة تحت الضغط، وتستعمل هذه الألواح في صنع أكثر أنواع الأثاث وخاصة الأجزاء الخلفية منها، كما تستعمل الثخينة منها في صنع الكراسي والمقاعد وجلساتها بعد تشكيلها وحنيها وضغطها في وسط من البخار الساخن.
وأما ألواح الخشب المصفح (اللاتيه) laminated boards فتتألف من قدد خشبية ضيقة تلصق الواحدة بجانب الأخرى ثم تصفح من الوجهين برقائق من الخشب أو ألواح الخشب المعاكس تحت ضغط معين وبذلك يتم الحصول على لوح مصفح بالثخانة المرغوب فيها، وتستعمل الألواح المصفحة في صناعة سطوح الخزائن والمناضد والأسرة والأبواب وغيرها.
وتتمتع ألواح الخشب المصفحة بمتانة متجانسة طولياً وعرضياً وقطرياً وهي غير قابلة للانكماش أو اللي كما هو حال الخشب الطبيعي، ومثلها في ذلك ألواح الألياف الخشبية fiber board التي تصنع من ألياف الخشب المضغوطة بعد معالجتها بالمواد الكيميائية وعجنها بالغراء.
المعادن
استخدم الإنسان المعادن في صنع أدواته وحوائجه منذ أن تعلم صهرها وسكها وطرقها. واستعمال المعادن في صنع الأثاث وزخرفته قديم جداً، وقد عثر في مقبرة توت عنخ آمون على قطع أثاث فاخرة منها سرير عرش وكرسي مزيّنان بالذهب (ق14 ق.م)، واستعمل   اليونان البرونز و الحديد والفضة في صنع قطع الأثاث وزخرفتها، وعثر في رماد مدينتي بومبي Pompeii وهيراكولانيوم Heraculanneum في إيطاليا على طاولات لها أطر معدنية قابلة للطي، وعلى أسرة مصنوعة من المعدن كلها أو بعض أجزائها. واستعمل الكرسي المعدني في مناسبات خاصة في العصور الوسطى في أوربة (كرسي عرش ملك الفرنجة دغابرت الأول Dagaborti من القرن السابع للميلاد). وفي دولة بنين في إفريقياكرسي من البرونز خاص بالبلاط جعلت جلسته على شكل سمكتين مجدولتين. وثمة نماذج كثيرة من أثاث فضي أو مغلف بالفضة أو الذهب المطرق.
ومنذ القرن الثامن عشر شاعت صناعة الأثاث الحديدي، وصارت السرر المعدنية والصناديق المقواة بالمعدن في متناول الناس، وازداد الطلب عليها في المعسكرات والمخيمات لسهولة طيها وفكها وتركيبها، وأشهر مثال عليها سرير نابليون بونابرت في جزيرة هيلانة.
وكانت السرر الحديدية تزين بزخارف وقطع نحاسية أو برونزية. كما استخدم الحديد في صناعة مقاعد الحدائق والكراسي التي توضع في العراء لمقاومته عوامل الطبيعة، وخاصة بعد طليه بطبقة من الدهان. وتوصل الألمان في العشرينات من القرن العشرين إلى استعمال الفولاذ في صنع الأثاث وصنع النوابض والأنابيب الفولاذية المطلية بالكروم وتطويعها في صناعة الأثاث حتى غدت الأنابيب الفولاذية رمزاً لمذهب «الوظيفية» في العمارة (أن يتناسب تصميم أجزاء البناء وأثاثه مع الوظيفة المعدة لها). ومنذ الثلاثينات من القرن العشرين شاع استعمال الألمنيوم في هذه الصناعة لمواصفاته الجيدة.
يستخدم المعدن، وخاصة الحديد والنحاس والألمنيوم، في صنع القطع الكاملة بتشكيلها عن طريق السكب والثني والطلي واللحام والقطع وغير ذلك، كما يستعمل في صنع الأقفال والحواضن والمفصلات وحوامل القطع وقواعدها وفي التزيين والزخرفة. وكانت صناديق حفظ الثياب تدعم بأحزمة من حديد تزيد متانتها وكثيراً ما كانت تزين نهاياتها بزخارف، وكانت المكتبات في عصر النهضة تزخرف بحواضن وقواعد من أُشابات معدنية أساسها البرونز أو النحاس أو القصدير، وبرع الفرنسيون في تشكيل حواضن مزخرفة من المعدن تركب على الزوايا والأدراج والأرجل من أجل الحماية والتقوية.
المواد الأخرى
يعد الزجاج من المواد الثانوية المستعملة في صناعة الأثاث وزخرفته، وتستعمل المرايا والبلور العادي والملون للتزيين وإضفاء الجمال على القطع ووقايتها، وقد برع الإيطاليون في صناعة الأثاث المزجج المتعدد الألوان، واستعمل العاج والعظم والصدف والذَّبْل (جلد السلحفاة الكبيرة أو عظم ظهرها) مواد للتطعيم والتنزيل والترصيع في صناعة الأثاث، وشاع في القرن السابع عشر استخدام العاج في تطعيم الأثاث الفاخر، واستخدم عظم قوقعة السلحفاة للتنزيل النفيس فوق أرضية من الفضة، كما استخدمت أصداف القواقع وعرق اللؤلؤ لتطعيم الخشب، واستعمل الجص المعجون بالغراء لتشكيل الزخارف وخاصة في الأثاث الإسلامي الشرقي، كما صنعت منها «شمسات» لثقوب المفاتيح وأغطية لها.
وأما الرخام والجص والخزف فاستعمل في مجالات معينة، وخاصة في تغطية سطوح «القنصليات» والمكاتب والتخوت ذوات الأدراج والمغاسل وطاولات الزينة، كما استخدمت العجينة الورقية (عجينة الورق مع الغراء ومواد أخرى) في صنع بعض قطع الأثاث في إنكلترة في العصر الفيكتوري.
وأما اللدائن بأنواعها والألياف النباتية المعالجة والألياف الزجاجية فقد شاع استعمالها بعيد الحرب العالمية الثانية وعلى نطاق واسع وهي تستعمل في صنع القطع المقولبة (المشكلة في قالب).

الأثاث في التاريخ

يرجع ظهور الأثاث إلى عصر ما قبل التاريخ مع انتقال المجتمعات الأولى إلى الاستقرار، عندما اتخذ الإنسان مسكنه في الكهوف والمغاور وفوق مجاري الأنهار، وافترش جذوع الأشجار والأغصان وصنع منها مصاطب وفرشاً لراحته ونومه. وكان تطور الأثاث سريعاً عند المجتمعات التي احتاجت إلى مساكن مغلقة أو مسقوفة بسبب الأحوال المناخية، وكان أسهل أسلوب لتوفير مثل هذا الأثاث رصف الحجارة في مداميك وتسوية سطوحها وترك فراغات بينها (كوات) لتستعمل خزائن لحفظ الأشياء، أو تنضيد الأغصان وأوراق الأشجار للجلوس والنوم. ثم تبينت الحاجة إلى صنع قطع أثاث منفصلة سهلة التحريك والنقل، وساعد على ذلك توافر مواد تتمتع بالمتانة وخفة الوزن وسهولة التعامل معها، وهذا ما تثبته الأرجوحات الشبكية والحصر والحشيات المملوءة بالقش والمقاعد الخشبية الصغيرة التي لا مساند لها ومساند الرأس والرقبة والصناديق التي تستعملها القبائل البدائية في إفريقية وأوقيانوسية وأمريكة حتى اليوم، وكانت الأقوام البدائية تختار لأثاثها أكثر المواد مواءمة للشكل المطلوب بعد تشذيبها بأدوات حجرية أو معدنية، ومع تطور النظم الاجتماعية والمعيشية وتطور أدوات التصنيع وأساليبه ظهرت أنماط جديدة من الأثاث تتوافق مع حاجات الإنسان. وكان أثاث أكثر المجتمعات الرعوية والزراعية في إفريقية جنوبي الصحراء الكبرى وفي مناطق أعالي النيل يتألف من قطع بسيطة قليلة الزخارف سهلة الحمل، وكثير منها منحوت من قطعة خشب واحدة أو من الحجر، وكانت أجزاء قطع الأثاث تنحت غالباً بأشكال هندسية أو على هيئة أعضاء الحيوانات، ومن ذلك مثلاً مسند رقبة خشبي يعرف باسم «تلم» Tellem في دولة مالي منحوت على هيئة سلحفاة، وهي حيوان مقدس هناك. وكثيراً ما يكون للكراسي والمقاعد وغيرها من القطع المعدة للجلوس معنى شعائري أو قيمة شخصية، وهناك كراسي عروش كثيرة في إفريقية، بعضها مستوحى من أنماط الأثاث الأوربي، مخصصة للزعماء، كما هو شأن مقاعد زعماء القبائل اللوبا Luba في زائير، ولهذه الكراسي قوائم نحتت على هيئة إنسان حامل caryatid، أو قوائم حيوان.





أما السُّرُر فكانت مجرد حشيات متواضعة من العشب الجاف وجلود الحيوانات وغيرها، ويستعمل الماليزيون البدائيون سريراً مسطحاً من لوح خشبي محمول على أربع دعامات ذوات شعبتين. من جذوع الشجر، وكانت السرر تطلى أحياناً بالألوان الأسود والأحمر والأبيض، وفي جزر الأدميرالية سُرُر مزخرفة ذوات قوائم منحوتة على هيئة البشر أو السمك ولها مساند للرقبة. وكان الصيادون الأستراليون يحملون أطفالهم في مهود من الخشب تشبه القارب. وكان السكان الأصليون في أمريكة يستعملون جلود الحيوانات المحشوة بالعشب (أمريكة الشمالية) أو الحصر المصنوعة من ألياف سعف النخل للنوم والجلوس، أما السرر إن وجدت فتتألف أساساً من أغصان نحيلة متشابكة تستند إلى ركائز ذوات شعبتين. كما استعملت السطوح الحجرية للنوم بعد فرشها بجلود الحيوانات.
واستعملت أيضاً الكراسي والمقاعد المصنوعة من القصب المجدول ومقاعد الحجر المحمولة على قواعد مخروطية، كما استعملت الصناديق المدهونة والأرائك المصنوعة من خشب الأرز المزينة بأشكال حيوانية.
الأثاث في مصر القديمة


لعل أقدم نماذج للأثاث المتعارف عليه اليوم ترجع إلى ما تركه الصناع المصريون القدماء، ومع أن إنتاج مصر من الخشب العالي الجودة نادر، فقد استعمل المصريون أخشاب بعض الأشجار المحلية كالسنط acacia والطرفاء tamarisk والجميز sycamore والتين في صنع قطع الأثاث الخفيفة، كما استوردوا الأخشاب الثمينة كالأرز والأبنوس، وكانوا يعالجون هذه الأخشاب بأدوات حجرية (في عصر ما قبل السلالات 4000-3100ق.م) ونحاسية وخشبية (بدايات عصر السلالات 3100-2686 ق.م) ومعدنية مختلفة (منذ عهد المملكة القديمة 2686- 2181ق.م). وكانت السرر ومساند الأرجل والرأس والعروش والصناديق هي القطع الأساسية للأثاث عند المصريين القدماء، ويأتي السرير في مقدمة تلك القطع، وكان يتركب في إطار متواضع من الخشب على أربع أرجل ثبتت بحبل مضفور من الكتان، وشدت عليه حبال مضفورة على طريقة الحياكة تؤلف سطحاً مرناً يستلقي عليه النائم، وكان السرير إبان حكم الأسرة الثامنة عشرة (1567-1320ق.م) مرتفعاً عند الرأس منخفضاً عند القدمين وله مسند محفور من الخشب يمنع إنزلاق النائم، وقد عثر في قبر توت عنخ أمون على سرر ضخمة ثبت قوائمها بخطاطيف من البرونز يمكن فكها وطيها لتصبح صالحة للنقل. إذ كان الأثاث يصنع بأعداد قليلة، وكان الملوك والحكام يصطحبون معهم سررهم في تجوالهم، ويستعيضون عن الوسائد بمساند للرأس من الخشب أو العاج تصنع على قياس صاحبها، وعثر في مقبرة الملكة «حتب حورس» Hetephers في الجيزة (المملكة القديمة) على سرير لـه ظلة ثبتت قطعه بطريقة «التعشيق» كانت الأولى من نوعها، كما عثر على كرسيين بذراعين مغلفين بقشور الذهب، وعلى علبتي مجوهرات وصندوق ستائر.


وتثبت هذه القطع أن قدماء المصريين كانوا أول من عرف طريقة «التلسين» في صنع الأثاث (جمع أجزاء قطع الأثاث بوساطة النقرة واللسان mortise-and- tenon.
أما الكراسي فكانت تنحت في البدء من الحجر على شكل قطع مكعبة، ثم صارت تصنع قواعدها من الخشب ومقاعدها من حجر الصوان الأملس المستوي، ثم صارت مقعرة فيما بعد. وكانوا يضعون على المقعد حشية وثيرة من جلد أو قماش، ثم أضيف إلى الكرسي مع مرور الزمن مسند للظهر وذراعان. وكانت الكراسي مخصصة لذوي الشأن، وتوضع أمامها مساند للأرجل من الخشب تنحت عليها صور الأعداء أو ترسم، وهو تقليد يرمز إلى أن الملك يدوس أعداءه. وشاع في عصر المملكة الحديثة (1554-1075ق.م) صنع قوائم الكراسي على هيئة قوائم الحيوانات، وقد عثر على مقاعد مدورة وثلاثية الأرجل وقابلة للطي ترجع إلى ذلك العصر.




لم يعرف قدماء المصريين المناضد والطاولات، ولكنهم كانوا يستعملون صواني (ج صينية) من القش المجدول على حامل من فخار لوضع صحاف الطعام، كما كانوا يصنعون حوامل من خشب لجرار الماء والخمر والجعة، واستعمل المصريون القدماء توابيت من رقائق الخشب الملصق بعضها فوق بعض، وقد ضمن لها ذلك عمراً مديداً. أما الملابس والأشياء الشخصية فكانت تحفظ في صناديق أو سلال من قصب، وكانت الصنادق تصنع في بادئ الأمر من ألواح خشبية متداخلة، ثم صارت تصنع في عهد المملكة القديمة من أطر خشبية تسدها ألواح من خشب ولها غطاء نصف أسطواني أو مثلثي الشكل، وكان أهم ما يتصف به الأثاث المصري القديم خفة الوزن وسهولة النقل



وجمال المظهر. وكانت تزيينات الأثاث وزخارفه تستوحى من دلالات دينية وتلقى عناية فائقة، وكان أثاث علية القوم غالباً ما يموه بالذهب ويطعم بالعاج والزجاج الملون والأحجار الكريمة، أو يلبس قشور الأخشاب النادرة والثمينة، وقد توصل الصانع المصري إلى استخراج قشور خشب بسماكة لا تزيد على 4 مم غطى بها سطوح الأثاث المصنوع من أخشاب رخيصة، كما استخدم التراكيب الصناعية الدقيقة في تجميع أجزاء قطع الأثاث لتكون قوية متينة تحقق فكرة الديمومة والخلود. وكثيراً ما كانت التزيينات تستكمل بكتابات هيروغليفية وزخارف من تويجات الزهور والزنابق وأزهار البردي وصور الآلهة. وثمة نصوص تثبت أن الأثاث المصري كان يرسل في أحيان كثيرة إلى البلدان المجاورة في جملة ما تؤديه مصر من هدايا وأتاوى.
الأثاث في بلاد المشرق القديمة (بلاد الشام والرافدين)




كان مناخ بلاد
 الشام والرافدين أقل جفافاً من مناخ مصر، فلم يحفظ لهذا السبب إلا القليل من الأثاث في مدافنها، ولم يبق إلى اليوم سوى بعض القطع النادرة المحفوظة في المتاحف إضافة إلى ما يشاهد على المنحوتات الجدارية والصور والنقوش الأثرية القليلة. وكانت مناطق بلاد الشام والرافدين - على النقيض من مصر - مجزأة إلى مدن وممالك يحكم كل منها حاكم مستقل، لذلك تنوعت أنماط الأثاث فيها. وأما القطع الأساسية منه فهي: السرير والعرش والمتكأ والأريكة والكرسي والطاولة والصندوق.
وكانت قطع الأثاث في بلاد الرافدين قريبة الشبه في تركيبها من النمط المصري إلا أن أجزاءها أغلظ وعقدها أقل، وهي غنية بالزخارف النافرة ومطعمة بالبرونز والعاج والعظم والمسامير الضخمة الرؤوس والدسر.

وقد عثر على قطع أثاث من العصر السومري القديم (2800-2370ق.م) لها قوائم أمامية على هيئة قوائم الثيران ومساند مخرمة، أما قوائمها الخلفية فمسطحة وتمتد أحياناً لتؤلف مساند قصيرة للظهر، كما عثر في ماري (تل الحريري) على بقايا صناديق خشبية مطعمة بالعاج واللازورد كانت تستعمل لحفظ الحلي أو الأدوات الموسيقية وتمثل مشاهد من الحياة العامة.

واستعمل في العصر الأكدي الأول (2370-2230ق.م) مقاعد مخرمة قُسِّم الفراغ تحتها ستة مربعات أو تسعة تفصل بينها دعامات أفقية وعمودية من الخشب.
وقد برع الفينيقيون - الكنعانيون في صناعة الأثاث وتطعيمه بالعاج إلى درجة كبيرة حتى صار إنتاجهم يصدّر إلى الدول المجاورة، وقد عثر في أنكوما (قبرص) على علب من عظم الفيل مزينة بزخارف تمثل مشهداً لصيد الثيران، وفي متحف دمشق الوطني صفائح من عاج لجزء من سرير عرش يرجع تاريخه إلى القرن الرابع عشر ق.م، وعثر في تلال منطقة غورديون Gordion (الأناضول - تركية) على قطع أثاث مزخرفة يعتقد أنها تعود إلى الملك ميداس ملك فريجية في القرن الثامن قبل الميلاد، ومنها طاولة ثلاثية الأرجل وحجب تشبه الغربال من خشب البقس والجوز، وقد طعمت بأشكال هندسية من خشب العرعر.
كانت مناطق الرافدين وبلاد الشام مصدر إلهام لثلاثة أنماط خلدها الأثاث الكلاسيكي القديم في اليونان ورومة، وانتقلت منها إلى بقية الحضارات الغربية. وأول هذه الأنماط زخرفة قوائم قطع الأثاث بحلقات معدنية «مكفاة» الجوانب حادة الحروف تقع الواحدة فوق الأخرى مثل أساور اليد، وهي أصل القوائم الخشبية «المخروطة» في الأثاث الذي ظهر بعد ذلك. أما النمط الثاني فاستعمل الحواشي الكثيفة في أغطية الأثاث المستعمل مما يمنح الهيكل والحشية والوسادة سمة واحدة، وقد خففت هذه الحواشي في العصور الكلاسيكية تمشياً مع الذوق السائد آنذاك، ثم عادت إلى الظهور في عصر الاتباعية الجديدة (القرن 18م). وأما النمط الثالث فهو قطع الأثاث التقليدية التي ظلت تستعمل من دون تعديل يذكر طوال عصور الظلام في أوربة، ومن هذه القطع الأريكة التي كانت تستعملها الشخصيات الكبيرة عند تناول الطعام أو تبادل الأحاديث، والمنضدة المتنقلة الصغيرة التي توضع عليها المرطبات قرب الأريكة أو إلى جانب الكرسي الذي يجلس عليه «النديم» (الزوجة أو المحظية أو المغني أو غيرهم)، بحسب رغبة الشخصية التي تتكئ على الأريكة. ومن هذا التقليد الأرستقراطي انبثقت أكثر نظم البلاط تعقيداً، وهي تحدد من يحق له الجلوس في حضرة الشخصية المذكورة وأين يجلس ، وما تزال مثل هذه التقاليد مرعية في قصور الملوك واحتفالاتهم.
الأثاث في بلاد فارس
مع أن المناطق الإيرانية خضعت لتأثيرات المشرق القديم (بلاد الرافدين والشام) فقد كان للأثاث فيها سمات مميزة ويحمل تزيينات ذات طابع خاص، ويمكن تعرف أشكال بعض قطع الأثاث الإيراني الفارسي من الرسوم والمنحوتات، ويبدي نحت نافر من عهد داريوس (نحو 521 ق.م) سرير عرش يجلس عليه الملك وترتكز قوائمه المدورة على قاعدة صغيرة يطؤها الملك بقدميه. وتبدو في الرسوم مقاعد واطئة ومناضد مستديرة وسرر أشكالها بدائية. وتملك إيران شهرة عالمية في صناعة بعض أنواع الأثاث المشرقي وخاصة السجاد.
الأثاث في الهند
تعد الهند في تاريخ صناعة الأثاث، منطقة عبور واقتباس للأثاث القادم من الغرب أكثر من كونها مناطق ابتكار مستقلة. وقد اعتاد الهنود استعمال الحصر والبسط والزرابي والفرش المصنوعة من القصب المجدول والخيزران bamboo مع ندرة استخدام الخشب في صناعة بعض قطع الأثاث. ولم يكن للهند عموماً طراز محلي من الأثاث تختص به حتى القرن السادس عشر للميلاد، بل كانت تستعير بعض أشكال الأثاث من الأنماط الكلاسيكية والشرقية والمصرية، حتى إن بعض القطع العادية المألوفة لأكثر الشعوب كالكراسي والطاولات كانت نادرة الاستعمال في الهند إلى أن شاع استعمال الأثاث البرتغالي والهولندي والإنكليزي. والحقيقة أن صعوبة الحصول على أثاث مناسب للمستوطنين الأجانب في الهند في بداية عهد الاستعمار هو الذي دفع التجار الأوربيين إلى جلب نماذج من الأثاث الغربي كي تستنسخ، وسرعان ما مهر الحرفيون الهنود في تبني الأسلوب الأوربي مع إضفاء بعض السمات الخاصة والمبتكرة على صناعة الأثاث. وأدى ذلك إلى ظهور طرز جديدة من الأثاث عرفت باسم الأثاث الهندي - الأوربي كانت محط إعجاب الغربيين، وأثرت بدورها في صناعة الأثاث الغربي. ويقسم الأثاث الهندي الأوربي القديم إلى مجموعتين مميزتين تأثرت إحداهما بالطابع البرتغالي وتأثرت الثانية بالطابع الهولندي، ولم يظهر التأثير الإنكليزي على صناعة الأثاث في الهند إلا في أواخر القرن الثامن عشر. أما الخشب الذي استعمل في الهند فهو الأبنوس والساج (الدلب الهندي teak) والخشب الأحمر وهي تنتج محلياً.
تتألف مجموعة الأثاث الهندية البرتغالية من الأثاث الهندي الشمالي أو المغولي والأثاث الجنوبي المنسوب إلى «غوا» Goa ولكنه يصنع في الواقع في سواحل ملبار Malabar جنوب غوا. ويبدو الطراز المغولي أكثر رشاقة وتفنناً من طراز «غوا» ويضم أنواعاً من الأثاث المزخرف والمطعم بالعظم والعاج على خشب الأبنوس وغيره من الخشب الأسود.
وقد حفظت طاولات ومكاتب من هذه الفئة مستوحاة من أشكال عصر النهضة الإيطالية التي كانت المفضلة عند البرتغاليين.
أما الطراز المنسوب إلى «غوا» فيصنع على نمط واحد من حيث الشكل والزخرفة وتغلب عليه الضخامة. وغالباً ما يطعم بأشكال هندسية أو مجردة. أما مجموعة الأثاث الهندي - الهولندي فيمكن تمييزها بسهولة من الأثاث الهندي - البرتغالي، وهي نمطان: الأول ينتج على سواحل كوروماندل Coromandel ويصنع من الخشب فاتح اللون ويزخرف بتطعيمه بالعظم وبالحفر ويطلى باللك [ر]. أما النمط الثاني فيصنع من الأبنوس المحفور. ومع أن هذا النمط منتشر في الهند ويظن أنه من أصل هندي، فإنه كان ينتج - في الواقع - في باتافيه Batavia (جاكرتة اليوم) في جزيرة جاوة، أما التزيين النافر في الأبنوس فيكون على شكل أزهار أو هو قريب الشبه من شجرة تحمل أزهاراً (أغلبها أزهار السوسن tulip) كتلك التي تشاهد على أغطية الأسرة والستائر المطرزة الهندية المنشأ. ومع ازدياد النفوذ البريطاني في الهند ازداد تأثير صناع الأثاث البريطانيين فيها، وأنتجت «أطقم» كاملة من العاج من طراز تشيبندال Chipendale وطراز شيراتون Sheraton ومع حلول القرن التاسع عشر أصبح لدى الهند معاييرها في صنع الأثاث وخاصة فيما يتصل بالنقوش الزخرفية التي تنفرد بها.



الأثاث الصيني


يعكس الأثاث الصيني تأثير البناء المعماري بوضوح، ويجمع بين الصرامة والبساطة. والحقيقة أن الدراسات المتصلة بالأثاث الصيني قليلة، وما تزال أصوله غامضة نسبياً، ويصعب تحديد العهود التي ينسب إليها كما لا يعرف الكثير عن مشاغله ومصمميه وصناعه، وأما أهم المصادر التي تبين أشكال الأثاث الصيني فهي الرسوم الصينية القديمة، وهي تظهر مدى التزام تصاميم هذا الأثاث على امتداد العصور.

ويمكن القول إن أكثر الأثاث الصيني ينطلق من شكلين أساسيين: الصندوق والهيكل المفتوح، كما يمكن تصنيف الأثاث الصيني في نمطين رئيسيين هما: القطع الخشبية المطلية باللك سواء كانت مطعمة بعرق اللؤلؤ أو محفورة بعناية، والقطع البسيطة plain المصنوعة من الخشب القاسي.





ولا يعرف شيء عن النمط الأول تقريباً، إلا أنه يمكن تعرف العهد الذي تنسب إليه القطع من الموضوعات الزخرفية التي يظهرها الحفر كالتنين وزهرة الفاوانية (عود الصليب) peony، ومن خلفيات (أرضيات) هذه الزخارف، وأهم القطع التي تنسب تاريخياً إلى هذا النمط تلك المطلية باللك الأسود المطعمة بعرق اللؤلؤ المحفوظة في المستودعات الإمبراطورية (شوزو إن Shoso in) في اليابان وهي تعود إلى القرن الثامن للميلاد. أما أقدم القطع المطلية باللك الأحمر وخاصة المقاعد والطاولات فترجع إلى عهد أسرة منغ Ming (1368-1644م) وتميز صنعتها من حوافها الانسيابية اللينة الأقل بروزاً من القطع المتأخرة التي تعود إلى عهد أسرة تشنغ Ching (1644-1911) وتأثر بها مصممو الأثاث في العالم.
ويلقى الأثاث الصيني البسيط المصنوع من الخشب القاسي رواجاً في الصين وخارجها لبساطته وزخارفه التقليدية وتمتعه بالمتانة ووضوح خطوطه وانسجام ألوانه.

ولما كانت متطلبات البيت الصيني من الأثاث أقل عموماً من متطلبات البيت الأوربي أو الأمريكي أو حتى العربي، فإن تنوع الأثاث فيه قليل، ويقتصر على خزائن الثياب والصناديق والطاولات العالية والمنخفضة من جميع الأشكال والأنماط، وكذلك الكراسي والسرر (قد تستر أحياناً بستائر) والحجب (بارافانات) والمقاعد المنخفضة المعدة للاستعمال عند السرير.
ومع أن مبادئ مهنة النجارة تكونت لدى الصينيين منذ ما يقرب من ألف عام قبل الميلاد، فإنها لم تتطور تطوراً عظيماً إلا بعد دخول البوذية إلى الصين قادمة من الهند في القرون الأولى للميلاد، وكان الصينيون قبل ذلك التاريخ يجلسون متربعين أو جاثين على ركبهم على الأرض أو على مقاعد واطئة، في حين أدخلت البوذية معها أسلوباً جديداً للجلوس على الكراسي العالية المزودة بمساند للظهر ومساند جانبية لليدين أو من دونها، وتعد الصناديق والخزائن الكبيرة أقرب الأمثلة على تقدم صنعة النجارة عند الصينيين، وكثيراً ما كانوا يصنعون لها حوامل معدنية جميلة تزيد من جمال صنعتها وتخفف من صرامة تصميمها.


وقد استعمل الصينيون الأخشاب القاسية في صناعة أثاثهم كخشب الصندل sandalwood والساج والخشب الوردي rosewood والالسندر palixandre وأكثره مستورد من الهند الصينية.
كما استعملوا الخشب الأحمر والناميات الجذعية Burl (في الترصيع غالباً) وكذلك الخشب الذي يسمونه «جناح الديك». ويستعمل الخشب الوردي خاصة في أكثر أنواع الأثاث لجمال مظهره ونعومته عند الإنهاء. ويعد الصينيون من أمهر صناع الأثاث وأكثرهم دقة وصنعة. ويتعاملون مع الخشب على أنه جسم وروح، ويتقنون تناسب الخطوط والحنيات مع الحجم حتى غدوا قدوة صناع الأثاث في العالم.


وأكثر ما يلفت النظر في الأثاث الصيني لمعانه الذي يجتذب المشترين من أنحاء العالم. ويستخدم الصينيون في طلاء قطع الأثاث اللك والبرنيق varnish. ويعود استخدام اللك الأسود إلى عهد سلالة شانعshang (1523-1027) (1766-1122ق.م) ويحتاج العمل به إلى دقة وصبر كبيرين، إذ تطلى به سطوح الأثاث طبقات قد تصل إلى ثلاثين طبقة وكل طبقة منها تحتاج إلى أسبوع أو أكثر كي تجف ليمكن وضع الطبقة التالية، وإذا ما حدث تشقق أو خدش بها أعيد العمل من أوله.





ولم يقتصر الصينيون على اللك الأسود بل استطاعوا إنتاج ألوان أخرى منه كالأبيض والوردي والأخضر والأصفر والأزرق وغيرها، كما أضافوا إليها الذهب والفضة، وكانت لهم عناية خاصة بالزخرفة والتزيين إضافة إلى الحفر والتطعيم بالصدف والعاج، وقد عبر الرحالة العربي ابن بطوطة عن إعجابه الكبير بصنعة فناني كانتون التي زارها عام 1345م، وهناك نماذج من الأثاث الصيني محفوظة في كثير من متاحف العالم.
الأثاث في اليابان
كان لتفضيل اليابانيين المنازل الخشبية الخفيفة ذوات الطابق الواحد على غيرها أثره في نوعية الأثاث عندهم وتطوره، فلم يعرف اليابانيون سوى أنواع قليلة من الأثاث المخصص لوظائف محددة. ويرى اليابانيون أن الترتيب الداخلي للمنزل مع الحديقة، التي هي جزء أساسي منه، يفي بالمتطلبات الجمالية والاجتماعية التي يوفرها الأثاث ومتمماته في المجتمعات الأخرى، والشرط الواجب توافره في جميع أنواع الأثاث الياباني هو سهولة النقل وخفة الوزن, ويتألف البيت التقليدي الياباني من مبنى خشبي تقسمه من الداخل حواجز من ألواح جدارية متحركة مغطاة بالورق معلقة من الأعلى بساكف وتنزلق في الأرضية الخشبية ضمن مجار خاصة، وهي تسمح على هذا النحو بتعديل شكل الغرف ومساحتها، وقد تستعمل لهذه الغاية حواجز جدارية حاجبة من ستة ألواح أو أربعة أو لوحين متمفصلة فيما بينها ويمكن طيها بحسب الرغبة، كما يستعمل اليابانيون ستائر من عيدان الخيزران مثبتة من الأعلى ويمكن رفعها أو إنزالها عند الحاجة، والغرفة الرئيسية في البيت تدعى «توكونوفا» Tokonova وتكون مفتوحة على الحديقة على نمط «الليوان» في المنزل العربي ولها أبواب منزلقة تغلق في الأيام الباردة. ويجلس اليابانيون في هذه الغرفة على حشيات صغيرة أو حصر مستطيلة ملونة من قش الأرز تغطي أرض الغرفة وتسمى تاتامي Tatami، وقد تغلف بقماش سميك، أما قطع الأثاث التقليدية فأكثرها صغير الحجم قليل الارتفاع قابل للحمل Portative أنيق المظهر، ويشتمل عادة على طاولة خشبية منخفضة قابلة للطي أو ثابتة الأجزاء، وتكون عارية من لون الخشب أو مطلية باللك وتخصص للخدمات، كما يشتمل على متكأ ومنضدة للكتابة وأخرى للزينة وعلاقة ثياب ومجموعة من الرفوف، وأكثر هذه القطع يطلى باللك ومزخرف بذرور معدني أو يطعم بعرق اللؤلؤ.
لم تتبدل أشكال الأثاث الياباني على مر العصور إلا قليلاً، والمعلومات المتوافرة عن الأثاث القديم مأخوذة من الأوصاف الأدبية والصور والرسوم التراثية، إذ لم يتبق من أثاث الأزمنة القديمة إلا القليل النادر، ولعل أقدم قطع الأثاث الموجودة إلى اليوم صناديق مقببة الغطاء وطاولات مقتبسة من الأسلوب الإسباني والبرتغالي ومزخرفة بالأذرة المعدنية وعرق اللؤلؤ، يرجع تاريخها إلى ما بين العامين 1573-1618م، وصنعت من أجل البرتغاليين، ولهذه القطع وما أنتج بعدها تأثير كبير في فن صناعة الأثاث الأوربي وزخرفته. ومع أن محاولات الصناع الأوربيين محاكاة النماذج اليابانية ليست في مستوى محاولات تقليد الصينيين، ولم يظهر أثرها إلا بعد إحياء عصر أسرة ميجي Meiji (1860) فإن أكثر الأثاث الأوربي المقتبس عن اليابان يفتقر إلى اللمسة اليابانية ومعظمه من النمط الفيكتوري، وغالباً ما يطلى بطبقات من البرنيق الكامد بديلاً عن اللك الأصلي.


وأما صناعة الأثاث وأنواعه في بلدان جنوب شرقي آسيا (أندونيسية، ماليزية، تايلند، فيتنام وغيرها) فقد تأثرت بالاتجاهات الشرقية التي استلهمتها من الهند والصين واليابان إضافة إلى التأثير الإسلامي.
الأثاث العربي الإسلامي
ليس ثمة تصور واضح ودقيق عن ما كانت تحتويه بيوت المدن العربية من أثاث وأدوات قبل الإسلام وفي صدر الإسلام، غير أن بعضاً منها حوى، ولا شك، كل وسائل الراحة التي كانت متوافرة في ذلك العهد. وتتحدث الروايات عن حياة بعض أثرياء الجزيرة العربية في الجاهلية ودرجة ثرائهم وبذخهم، فكانوا يشربون بأوان من ذهب وفضة ويتفننون في مأكلهم ويستحضرون الخدم والحشم من الشام والعراق والعجم. وقد عرف العرب الزرابي (القطوع الحيرية الرقيقة أو هي كل ما بسط واتكئ عليه) والبسط (ضرب من الطنافس طويل قليل العرض) والنمارق (ج نمرق وهي وسادة صغيرة يتكأ عليها أو وثيرة فوق الرحل). والطنافس (الثوب والحصير من سعف النخل عرضه ذراع) والحصر (جمع حصير وهي كل ما نسج من جميع الأشياء والثوب الموشى الحسن)،
وهناك ضرب من الطنافس الفاخرة يسمى الرحال اشتهرت به الحيرة. وكان الناس عامة يفرشون بيوتهم بالحصر المصنوعة من البردي والأسل أو خوص النخل. وأما الميسورون منهم فكانوا يفترشون البسط والزرابي المنسوجة ويتكئون على الوسائد. ويعد تقديم الوسادة إلى الضيوف من إمارات التكريم، وكانت الكراسي والموائد والأسرة معروفة ويستعملونها في مجالسهم، والسرير في عرفهم ما يجلس عليه وينام فوقه ودلالة على الملك والنعمة. وهناك نوع من الكراسي وصف «بالخلب» قوائمه من حديد ومقعده من ليف مفتول صلب، وكان أهل مكة يستوردون الأثاث الراقي من بلاد الشام والعراق لما عرفت به البلاد من حسن الصنعة والذوق، ويمكن معرفة أصول تلك الأشياء والأماكن التي استوردت منها من أسمائها. ويمكن أن يعد الهودج والمحمل والمحفة من أنواع الأثاث المستعمل في التنقل.


نموذج كرسي عرش إسلامي من الخشب المحفور والمطعم بالصدف بزخارف نباتية
يلم تطور التقليد الأصلي للأثاث في الإسلام كثيراً عما سبقه كما حدث في الصين مثلاً، وقد كان الخشب على توافره بكثرة في المناطق الشمالية في إيران وآسيا الصغرى نادر الوجود في الأماكن الجافة الصحراوية كالجزيرة العربية، والأهم من ذلك أن العرب الفاتحين مع تأثرهم بمن جاورهم من الشعوب، حافظوا على كثير من تقاليدهم وعاداتهم ونقلوها إلى تلك الشعوب. وكان أكثر القبائل العربية التي شاركت في الفتح من البدو الرحل الذين يقطنون الخيام، وكانت ضرورات الحركة والتنقل تحول دون اصطحاب الأثاث الثقيل الكبير الحجم، وظل استعمال الزرابي والبسط والسجاد والحشيات والوسائد هو المفضل عندهم إضافة إلى قطع الأثاث الخفيفة السهلة النقل والقابلة للطي وصناديق الثياب.




وبعد الانتقال إلى وضع الاستقرار والاستيطان ومحاكاة الشعوب المجاورة في طرائق عيشها بدأت تظهر إلى الوجود قطع أثاث معالجة بأساليب مميزة وتتناسب مع متطلبات الدين الإسلامي الذي امتدت رقعته من الصين والهند شرقاً إلى الأندلس والمغرب الأقصى غرباً ومن أقاليم القفقاس وآسيا الوسطى وصقلية وجنوبي إيطالية وجبال البرانس شمالاً إلى بحر العرب والمحيط الهندي وأواسط إفريقية جنوباً، وبلغ الفن الإسلامي أوج ازدهاره في القرنين السادس والسابع للهجرة، (الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين) ثم بدأ يتراجع تحت تأثير النفوذ الغربي ومنتجاته بدءاً من القرن الثامن عشر، ومال الصناع المسلمون إلى تقليد تلك المنتجات تمشياً مع متطلبات عصرهم. ولم تكن مبتكرات أرباب الصنعة المسلمين من معماريين وصناع أثاث وتحف وخزافين ونساجين وزجاجين ومصورين وغيرهم من طراز واحد ولا من نمط واحد مع اختلاف الأقاليم والعصور وإن تشابهت أشكالها واستعمالاتها وموضوعات زخارفها، لأن الحرف والصناعات الفنية ظلت بعد انتشار الإسلام في يد أهل الأقاليم المفتوحة، وكان تطورها يسير وفقاً للمؤثرات الإسلامية من دون أن تفقد صلتها بتراثها المحلي، ويمكن تمييز أنماط الأثاث الإسلامي وطرزه من غيرها بسهولة ويسر على تباين تفصيلاتها وجزئياتها تبعاً للإقليم أو العصر، فضلاً عن أن بعض أنواع الأثاث كانت تشتهر وتزدهر صناعتها في إقليم دون سائر الأقاليم الإسلامية لتوافر المواد الأولية أو مهارة أبناء ذلك الإقليم وخبرتهم المتوارثة.

أما أكثر قطع الأثاث انتشاراً في العالم الإسلامي فكانت المنبر والمحراب والرحل (كرسي المصحف) وكرسي الإمام، وكرسي الأمير والأريكة والسرير والتخت والكرسي ذو المساند والمقعد والطاولة والمنضدة وصندوق المتاع وعلب الزينة. وكان النوم والجلوس وتناول الطعام يتم عادة على الأرض المفروشة بالطنافس والزرابي الفاخرة والحشيات المطرزة، أو على مقاعد طويلة وأرائك وصفات مغطاة بالسجاد، أو أسرة منخفضة وتخوت تغطيها الحشيات والستر، وكانت الأغطية والفرش تكدس في زوايا الغرف أو في خزائن وصناديق، وكانوا يجعلون في الجدران كوات مستطيلة مفتوحة أو ذوات أبواب لرصف الكتب والأوراق والتحف والأواني الثمينة (الكتبيات). وكان عدد قطع الأثاث قليلاً في القصور والبيوت. وقد عوض المعماريون والنجارون المسلمون عن جمال الأثاث بالتزيين المعماري للغرف وأولوه رعاية كبيرة، فكانوا يغطون الجدران والسقوف والعضادات بألواح خشبية محفورة أو مزخرفة وملونة تعد غاية في الروعة والفخامة، ويضيفون إليها حواجز حاجبة مخرمة وشعريات خشبية وأخصاصاً، وأكثرها مطعم بالصدف والعظم وعرق اللؤلؤ والخشب، أو مكفت بالفضة والذهب والعاج والأحجار الكريمة. واستعمل الجص الملون في تزيين الجدران الداخلية وكسوتها في كثير من البلدان الإسلامية، وخاصة إيران والعراق والشام، وكانت الزخرفة تقتصر على التزيينات النباتية والهندسية والكتابة العربية، وقد تعتمد أحياناً بعض الأشكال الحيوانية والطيور. إذ من المعروف أن من أولى ميزات الفنون الإسلامية بعدها عن تصوير الكائنات الحية. وكان الفنان المسلم يهرب من الفراغ وينفر منه، فكان يسرف في استعمال الزخارف لتغطية المساحات والسطوح، ولا يؤمن بحصر الزخرفة في نطاق خاص بها، وقد تطلب ذلك تكرار عناصر الزخرفة إلى درجة تكاد تكون لا متناهية، مع عدم التركيز على موضوع رئيس فيها, وقد تراكبت هذه العناصر وتمازجت في تشكيل زخرفي رائع الجمال انفرد به الفن العربي الإسلامي واشتهر في العالم كله باسم» «أرابيسك» واستعملت في إنتاجه أدوات مختلفة، وخاصة المخارط وأدوات التخريق والحفر على الخشب.



أما أقدم طرز الأثاث الإسلامي فهو الطراز الأموي المتأثر بالأساليب الفنية التي سادت بلاد الشام قبل الفتح كالبابلية - الآشورية والآرامية - السريانية والهلينية والرومانية والمسيحية البيزنطية، ولم يبق من أثاث ذلك العصر إلا ما تذكره المصادر عرضاً. ويأتي بعد ذلك الطراز العباسي في بغداد وسامراء وبلاد العجم، وتبدو فيه المؤثرات الإيرانية إلى جانب المؤثرات الموروثة عن حضارات بلاد الرافدين القديمة وعن الأساليب الهيلينية السلوقية. وقد بلغ هذا الطراز أوجه في القرن الثالث للهجرة (التاسع للميلاد)، ثم دب إليه الوهن بضعف الحكومة المركزية وتفرعت عنه طرز مستقلة إلى حد ما مع محافظتها على الطابع الإسلامي ومنها الطراز السلجوقي في النحت والزخرفة والعمارة، وكذلك الطراز المغولي المتأثر بالأساليب الفنية الصينية، والطراز الصفوي. ولقد ظل هذا الطراز هو الغالب في الأقاليم التي دخلها الإسلام من الهند حتى القرن السادس عشر حين ظهر طراز هندي إسلامي يجمع الخصائص المحلية مع العناصر المستمدة من الطرز السابقة

أما في مصر وبلاد الشام والمغرب فقد سادت طرز فنية في العمارة وصناعة الأثاث مميزة من غيرها، ومنها الطراز الفاطمي الذي ازدهر في مصر والشام وامتد تأثيره إلى صقلية وجنوبي إيطالية، ثم الطراز الأيوبي في مصر والشام وهو مرحلة انتقالية من الطراز الفاطمي إلى الطراز المملوكي، الذي استمر من القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشر، حين سيطر العثمانيون على الشام ومصر سنة 1517 وقضوا على دولة المماليك، وفقدت الشام ومصر استقلالهما ومهرة الصناع فيهما. ومنذ ذلك العصر أصبح الأثاث المنتج في آسيا الصغرى والجزيرة العربية ومصر يعرف بالطراز العثماني، وهو طراز إسلامي مطور عن الطرز السابقة. وقد أضيف إليه صبغ الخشب بألوان مميزة كالأخضر والأزرق والأحمر القانئ والتوشيح باللونين الذهبي والفضي، ودخلته المؤثرات الغربية من طرازي الباروك والروكوكو. وظهرت في دمشق منذ القرن التاسع عشر صناعة «الموزاييك» الخشبي لتغطية سطوح قطع الأثاث كالخزائن والصناديق وعلب الزينة والكراسي والأرائك والمقاعد والطاولات وألواح اللعب (النرد والشطرنج).


أما في المغرب العربي فقد ظلت الأساليب الفنية القديمة قائمة هناك مع تأثرها بالفن الأموي ثم العباسي منذ القرن الرابع للهجرة (العاشر للميلاد).
وبلغ الطراز الأموي في الأندلس ذروته في القرن الخامس للهجرة حتى ليمكن عده طرازاً أموياً غربياً، وقد طور هذا الطراز في عهدي المرابطين والموحدين فعرف بالطراز الأندلسي المغربي وبلغ الأوج في غرناطة (الأندلس) ومراكش (المغرب) في القرن الثامن للهجرة (الرابع عشر الميلادي). وقد احتفظت مراكش وفاس بكثير من عناصر هذا الطراز في حين تسربت المؤثرات التركية والأوربية إلى الجزائر وقاومتها تونس زمناً طويلاً محافظة على طابعها المغربي الأصيل.
وكان الطراز الأندلسي المغربي مصدر إلهام للأساليب الفنية الإسبانية التي ازدهرت على يد المدجنين من العرب المسلمين الذين دخلوا في طاعة الإسبان، كما كان مصدر إلهام للجمهوريات الإيطالية قبل عصر النهضة وإبانه. ولا تعني نسبة هذه الطرز إلى الدول التي بسطت سلطانها على هذا الإقليم أو ذاك من العالم الإسلامي أن الطراز المعني بدأ بظهور تلك الدولة وانتهى بانتهائها أو أنه كان محصوراً ضمن حدودها، إذ من غير الممكن تحديد تاريخ ظهور طراز جديد أو نهايته كما هو شأن تاريخ الدول، لأن هذه الطرز يتأثر أحدها بالآخر ويتطور بعضها من بعض، فالفصل بينها اصطلاحي، ولا يمكن تبين معالم طراز ما تماماً إلا بعد قيام الدولة المنسوب إليها بزمن كبير.
الأثاث الكلاسيكي القديم
اتفق المؤرخون وعلماء الآثار على إطلاق مصطلح «كلاسيكي» على العصور التي سادت فيها المؤثرات الهلينية - اليونانية (الإغريقية) والرومانية القديمة، وتعد الحضارة الهلينية اليونانية المصدر الرئيس للعلوم والفنون في الحضارة الغربية الحديثة.

أ. الأثاث عند الأتروسكيين: الأتسكيون [ر] شعب قديم هاجر من مواطنه في آسيا الصغرى واستوطن إيطالية حيث أقام حضارة مميزة وترك آثاراً عظيمة ترجع إلى ما بين القرن العاشر والقرن الثالث قبل الميلاد. وتبدي النواويس (ج ناووس) الإتروسكية المصنوعة من الطين المشوي صور نساء ورجال يضطجعون على أرائك متطاولة من خشب ذوات قوائم مربعة مدهونة أو مطعمة بأشكال تشبه أشجار النخيل والأزهار من معدن ثمين أو أحجار كريمة، وتبدو قائمتا الأريكة من جهة الرأس أطول من القائمتين من جهة القدمين، وقد زخرف رأساهما بعقد مزدوج. كما عثر على شمعدانات طويلة ثلاثية الأرجل، وعلى قواعد ثلاثية الأرجل أيضاً تحمل مراجل من البرونز. وفي متحف اللوفر ناووس مزخرف على قوائم مستطيلة، وكرسي من البرونز من ذلك العهد.


ب - الأثاث عند اليونان: اعتاد اليونانيون القدامى في أوائل حضارتهم ممارسة مناشطهم وحياتهم اليومية في العراء وفي الساحات والمباني العامة، أما المنزل فكان للنوم والراحة فقط. وكان المنزل يتألف من عدة غرف تضم أثاثاً قليلاً يتألف من مقاعد وسرر وصناديق للملابس والأواني، وكانت تراعى في تصميم قطع الأثاث النواحي العملية أكثر من النواحي الجمالية. ويعد القرن الخامس قبل الميلاد العصر الذهبي لبلاد اليونان، وفيه أنتجت أروع قطع الأثاث التي تنسب إليهم. وقد كان للنقوش والرسوم الجدارية والأواني الزخرفية والنصوص الأدبية اليونانية التي حفظت إلى اليوم الفضل في معرفة تفصيلات أكثر عن الأثاث اليوناني ومنها عن الأثاث المصري والسوري القديمين.
استعمل اليونان في صناعة الأثاث الخشب والبرونز والحجر وزينوا قطعهم بزخارف من طاقات الأزهار وأوراق الأقنثوس acanthus وأشكال نباتية وحيوانية أخرى، وكان «بسطاء» الناس يقتنون في بيوتهم مقاعد ثلاثية الأرجل وطاولات غير متقنة الصنع، أما أكثر المواطنين ثراء فكانوا يقتنون أرائك من خشب أو مرمر مصممة وفق الطراز

الأتروسكي فوقها حشيات ووسائد مغلفة بقماش حريري، وتدل الرسوم الموجودة على أواني الأزهار على أن هذه الأرائك كانت للرجال فقط، يضطجعون فوقها على جنوبهم وتخدمهم النساء. ويتبين من المنحوتات اليونانية ورسوم الأواني وجود أنواع كثيرة من الأثاث القديم، لعل أبرزها الطاولات وصناديق الملابس وعلب الزينة والأرائك والكراسي. وقد طور اليونانيون ثلاثة أنماط من هذه الكراسي هي: الكرسي الملكي (كرسي العرش) Thronos وهو كرسي قائم بذراعين له صفة رسمية ويزين غالباً بأشكال تمثل أبا الهول والغرفين Griffin (حيوان خرافي نصفه نسر ونصفه سبع) والكرسي العادي Klismos وهو أخف من الأول وله قوائم محنية ومسند ظهر عال كثير التقعر.


وأما الكرسي الثالث فمقعد مربع Diphros من دون ظهر أو مساند له قوائم مخروطة متصالبة أو تصل بينها عوارض، وثمة مقعد مماثل أدق صنعة وقابل للطي يدعى Diphros Okladias. ويمكن القول إن الأثاث اليوناني تأثر بالأنماط المصرية والرافدية كما يلاحظ من الصناديق المزخرفة بقوائم السباع والطاولات المستديرة المحمولة على ثلاث قوائم غزلانية منحوتة كانت شائعة في اليونان، ويلاحظ هذا التأثير أيضاً في أشكال الأرائك الأولى التي تشبه الأسرة المصرية شكلاً ونمطاً. وكانت قوائمها تشبه قوائم الحيوانات ذوات المخالب أو الحوافر ومزخرفة برسوم محززة أو نحت نافر حلزوني. ومنذ القرن السادس قبل الميلاد غدت القوائم بارزة عن قاعدة الأريكة، ثم أصبحت لوحاً في أعلى السرير وآخر عند القدمين أخفض من الأول. وكلاهما مزخرف بنحت نافر يحمل ميداليات برونزية أو تماثيل نصفية لآلهة أو أطفال أو رؤوس طيور أو حيوانات.
ج- - الأثاث عند الرومان: اقتبس الرومان أثاثهم عن الإغريق والإتروسكيين والمصريين وشعوب المشرق وطوروه حتى غدا مميزاً خاصاً بهم، وقد أتاحت لهم الثروات التي غنموها من مستعمراتهم العيش بترف والمبالغة في زخرفة بيوتهم وأثاثهم، ونقلوا عن شعوب تلك البلاد الكثير مما كان عندهم، واستخدم الرومان في صناعة أثاثهم الخشب والبرونز والحديد والرخام، وبرع حرفيوهم في الزخرفة والنقش والتصوير والطلي بالذهب وتنزيل المعادن الثمينة والمرمر والعاج وقواقع السلاحف وقشور الخشب وأعمال الفسيفساء. ويدل إسرافهم في هذا المجال على أنهم كانوا يرون في الأثاث امتداداً لفن العمارة والنحت.





وعلى النقيض من المنزل اليوناني كانت غرف المنزل الروماني مصممة وفق الوظيفة المخصصة لها، فثمة غرف معدة للاستقبال والاحتفالات الرسمية، وغرف أخرى مخصصة للمعيشة اليومية أو النوم، وتدل السرر والخزائن الجدارية على أنها من المكونات الثابتة في الغرفة، وهذا ما تثبته خرائب بومبي Pompeii وهيركولانيوم Herculaneum في جنوبي إيطالية، وقد عثر في بومبي على فسيفساء جدارية تصور أشكال الأثاث المستعمل في المنازل الرومانية، كما صورت قطع الأثاث على شواهد القبور وحجارة النواويس، وحفظت بعض القطع المصنوعة من المرمر أو البرونز، لكن جميع قطع الأثاث الخشبية فقدت.




ومع أن الرومان استوحوا أكثر أنماط أثاثهم ممن سبقهم فقد أدخلوا عليها تنويعات مهمة، وابتكروا أنماطاً جديدة. فقد عدلوا شكل الأريكة اليونانية مثلاً بأن أضافوا إليها ظهراً مرتفعاً ومسنداً أو مسندين جانبيين مرتفعين، وابتكروا الأريكة النصف دائرية Sigma التي تستعمل في حفلات الترفيه وتتسع لثلاثة أشخاص.
أما الكراسي فقد تنوعت أنماطها وأشكالها، وأكثرها استعمالاً المقاعد المربعة الثابتة من دون ظهر، وقد طور الرومان الكرسي الملكي اليوناني فغدا أصغر حجماً وله مسندان للذراعين وظهر مستدير من قطعة واحدة مع المسندين وجلسته مربعة أو نصف دائرية وقوائمه على هيئة قوائم الحيوانات، وهو الكرسي المعروف باسم «سوليوم» Solium ومخصص لذوي المكانة الرفيعة. كذلك طور الرومان الكرسي «كليسموس» اليوناني فجعلوه أغلظ بنية وسموه «كاثدرا» Cathedra وصار مخصصاً للنساء أساساً. وثمة كرسي آخر كان مخصصاً للقضاة وأصحاب المناصب يدعى سرج «كورول» Sella Curulis ومقتبس عن اليونان، وهو كرسي قابل للنقل لـه إطار متصالب على شكل X وقوائم محنية وعليه حشية صغيرة مغلفة بالجلد أو بقماش ثمين.
كانت الطاولات الرومانية أكثر تنوعاً من اليونانية، وأكثرها شيوعاً الطاولة المستديرة أو المستطيلة المحمولة على ثلاث قوائم أو أربع، والطاولة المستديرة أو المربعة المحمولة على قاعدة واحدة في الوسط. وكانت قوائم الطاولات عموماً على هيئة قوائم الحيوانات أو هيئة حيوانات مجنحة أو طيور، وقد عثر في مصر على طاولة من العصر الروماني من خشب مزخرفة برؤوس إوز رشيقة الأعناق تبرز من حزمة من أوراق الأقنثوس وتحتها قوائم وعل ذوات أظلاف دقيقة الصنع (محفوظة في متحف بروكسل).
ومن أهم إسهامات الرومان في تطور الأثاث ابتكارهم الخزانة ذات البابين المطورة عن الصناديق المصرية واليونانية، وكانت تصنع من الخشب أو المعدن المطعم والمزخرف وتستخدم أصلاً لحفظ الدروع والأسلحة فعرفت باسم أرماريوم (armoire) armarium ثم صارت تستعمل لحفظ الأشياء الثمينة والنقود والأدوات المنزلية، ولحفظ الكتب.
الأثاث الكلاسيكي المتأخر
لم تتغير أنواع الأثاث المختلفة مع بداية انحطاط رومة في القرنين الثالث والرابع الميلاديين، وتبين الرسوم الجدارية والفسيفسائية كيف اقتبست الكنيسة المسيحية الكثير من أنواع الأثاث الروماني، فتحول الكرسي الملكي الروماني «كاثدرا» إلى كرسي عرش خاص بأصحاب المقامات الرفيعة في الكنيسة، كما يبدو في كنيسة أفامية في سورية وكرسي مكسيمليان في رافينة وعرش القديس بولس في رومة ويعود تاريخ كل من هذين الكرسيين إلى القرن السادس الميلادي وهما من القطع الضخمة الغنية بالنقوش والزخارف والمطعمة بالعاج، ومع انتقال عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية إلى القسطنطينية (330م) بدأت تطغى على الأثاث الروماني التأثيرات الشرقية والهيلينية وكثر استعمال المنسوجات الثمينة والمطرزة في الستائر والأغطية والفرش كما كثر التطعيم والتنزيل والترصيع بالصدف والعاج والأحجار الكريمة، والفرق الواضح والمميز للأثاث البيزنطي من الروماني هو قلة عمق الحفر وشموله كل سطوح قطع الأثاث.
الأثاث في العصور الوسطى


تبدأ العصور الوسطى في أوربة بسقوط رومة (476م) وتمتد حتى بدايات عصر النهضة في إيطالية (القرن الخامس عشر)، ويمكن القول إن ما بقي من أثاث تلك العصور قليل ونادر، ولكن المخطوطات المصورة والرسوم الجدارية والوثائق التجارية عن تلك الحقبة توضح بعض أنواع الأثاث وأنماطه التي كانت شائعة آنذاك. ويطلق عادة على فن العمارة والأثاث الذي أنتج في أوربة بعد تنحية آخر الأباطرة الرومان الغربيين رومولوس أوغسطس وحتى العام 1100م اسم الفن الرومانسكي Romanesque المتأثر بالفنون السورية. وقد شهدت أوربة إبان ذلك العصر تبدلات جوهرية نتيجة غزو شعوب همج (الهون والقوط والتيوتون وغيرهم) مما كبح تطورها الحضاري، وانعكس تأثير ذلك على صناعة الأثاث الذي اقتصر استعماله على تلبية أكثر الاحتياجات تواضعاً، وكانت البدائية سمته الغالبة مع استعمال المعدن في صنع بعض القطع كاملة وبحجوم صغيرة وقابلة للطي، وأهم قطع الأثاث الرومانسكي المقعد والخزانة المعدة لأكثر من غرض في آن واحد، فهي خزانة وصندوق وطاولة ومقعد، وتكاد تخلو من الزخرفة باستثناء بعض الأثاث الذي حوته القلاع والقصور ويتميز بألوانه البراقة وألقه، وفي هذا العصر استعملت القوس المستديرة المستوحاة من الشرق في العمارة. ولم يبق منها سوى قطع قليلة يعود أكثرها إلى زمن متأخر. ولعل سبب ذلك رداءة نوع الخشب وتلفه إضافة إلى أن قطع الأثاث كانت تصنع بأعداد قليلة نسبياً حتى بداية عصر النهضة.
مع إطلالة القرن الثاني عشر تبدأ حقبة جديدة في فن العمارة وصناعة الأثاث تعرف بالفن القوطي نسبة إلى قبائل القوط الشرقية والغربية التي غزت أوربة، وقد امتدت هذه الحقبة حتى القرن الخامس عشر في إيطالية والقرن السادس عشر في بقية أوربة، ويظهر أثر أسلوب العمارة القوطي في كل مناشط الحياة الأوربية التي تعود إلى ذلك العصر، ومن أهم سماته الأقواس المربعة العالية والزخرفة الشجرية على الحجر stone tracery والنوافذ المخرمة المستديرة والزخارف النباتية والحيوانية والإنسانية وشعارات النبالة وتمثيل طيات القماش والستائر المسدلة حفراً على الخشب والحجر والمعدن، وقد انعكس ذلك كله في صناعة الأثاث من تلك الحقبة وخاصة في المناطق الواقعة إلى الشمال من جبال الألب، في حين قاومت إيطالية المؤثرات القوطية، مع أنها خضعت للمؤثرات الإسلامية التي استوحت منها كثيراً من الأشكال النحتية وخاصة القوس المدببة والمستدقة والنصف دائرية.


ولم يكن عامة الناس في أوربة في ذلك العصر يمتلكون من الأثاث إلا ما ندر، ومع أن قلاع الحكام والنبلاء وكبار رجال الدين وقصورهم وأديرتهم تختلف كثيراً عن مساكن العامة، فإن قطع الأثاث فيها كانت قليلة أيضاً.
ولما كان أصحاب الإقطاعات يملكون أكثر من سكن ولا يملك الواحد فيهم سوى مجموعة أثاث واحدة فقد كانوا يصطحبون معهم كل ما يمكن حمله عند تنقلهم من منزل إلى آخر، وكانت قطع الأثاث القليلة لا تكاد تكفي أصحاب المنزل، فكان الزائر مضطراً إلى أن يصحب سريره وكل ما يلزمه من متاع حيثما حل، ولهذه الحقيقة تأثير مزدوج في أثاث ذلك العصر، فقد كانت ثمة ضرورة لمواءمة تصميم قطع الأثاث متطلبات التنقل إلى جانب صعوبة الحصول على أثاث يفيض عن الحاجة. وكانت الكراسي والمقاعد القابلة للطي والطاولات التي ترتكز إلى مناصب والسرر القابلة للفك والتركيب هي المفضلة إضافة إلى صناديق الملابس والمتاع. أما الأثاث الثقيل كموائد الطعام الضخمة والخزائن الكبيرة فكانت تترك في مكانها. وتستثنى من ذلك بيوت العبادة لأنها كانت تتمتع بضمانات كافية لم تكن تتوافر في أماكن أخرى. وكان أفضل أنواع الأثاث في تلك الحقبة يصمم خصيصاً للكنائس والأديرة التي كثر بناؤها آنذاك، ومن ذلك مقاعد المرتلين والمذبح وكرسي الأسقف ومقاعد المصلين وغيرها، وقد حفظ من ذلك العهد كرسي أسقفي في كنيسة القديس كليمنتين محفوظ في متحف برشلونة (إسبانية) غني بالزخارف المحفورة ويتألف من ثلاث جلسات تفصل بينها حواجز مخرمة في مقدمتها أعمدة تنتهي بعقود نصف دائرية.

ويمكن القول إن كثيراً من الأفكار والتحسينات التي أدخلت في الأثاث المنزلي فيما بعد مستوحاة من الأثاث الديني العائد إلى ذلك العصر، وأدل مثال على ذلك قطع الأثاث المخصصة للقراءة والكتابة التي اقتبست عن مقاعد المرتلين، وكانت ألواح الخشب الرفيعة والضيقة المجموعة ضمن إطار واحد من التحسينات التي تبناها صناع الأثاث في العصور الوسطى من أجل تصميم السطوح المتسعة، بعد أن كانت تستعمل لهذه الغاية الألواح الكبيرة السميكة من قطعة واحدة قابلة للتشقق والانكسار.

كانت الضخامة سمة مميزة للأثاث القوطي عامة، وكان شكله مستطيلاً ويزود بأطواق ومفصلات معدنية كبيرة الحجم ومقابض للتقوية والزينة، وكان السرير غنياً بزخارفه المحفورة والنافرة وتحيط به ظلة وستائر، أما الكراسي فكانت قليلة جداً ويرمز استعمالها إلى رفعة المكانة والسلطان، وحتى البيوت الكبيرة لم تكن تفرش بأكثر من كرسيين اثنين أحدهما لرب الأسرة والآخر للزوجة، وربما وجد كرسي ثالث للضيوف من ذوي الشأن.


ولعل عبارة «صاحب الكرسي» الانكليزية chair man (الرئيس) المستعملة اليوم مقتبسة من ذلك العصر، أما قاطنو المنزل الآخرون فكانوا يجلسون على مقاعد طويلة من غير مسند للظهر، أو على كراسي ليس لها مساند، أو على الصناديق المعدة سطوحها لهذه الغاية، وكانت الكراسي تصنع أول الأمر من عصي مخروطة مغزلية الشكل، ثم شاع استعمال الكراسي المتصالبة القابلة للطي على شكل X من الخشب أو المعدن، وكانت جلسة الكرسي ومسند ظهره يصنعان من شريط قماشي أو من الجلد المتين، وظهر بعد ذلك نمط جديد من الكراسي الثقيلة مطور عن الصندوق وجلسته متحركة تتيح استعمال أرضية الصندوق لحفظ الأشياء. أما مساند اليدين والظهر وكذلك قاعدة الكرسي فكانت تتألف من ألواح خشبية مزخرفة بالأسلوب القوطي، وكان الظهر مرتفعاً إلى درجة مبالغ فيها، وقد ينتهي بظلة غنية بالزخارف أو يثبت إلى الجدار كما هو الحال في الكنائس.



وكانت الصناديق منوعة الأشكال وتعد أهم قطع الأثاث، فهي تستعمل لحفظ الأشياء الخاصة والمنزلية ولحفظ الثياب وللجلوس عليها كما تستعمل موائد للطعام، وأضيف إليها في القرن الخامس عشر أرجل أو قوائم أو قواعد ترتفع عن الأرض، ثم صارت لها أبواب أمامية أو جانبية فتحولت إلى خزائن متعددة الأغراض أو خزائن خاصة ومنها خزائن الملابس وخزائن الأواني المنزلية buffet، وطور بعضها ليصبح خواناً لحفظ الطعام، وكانت الصناديق تصنع من ألواح الخشب الكبيرة المزينة بحفر غير عميق نافر أو غائر وأكثره شيوعاً الشكل المعروف باسم «طية الكتان» linenfold الذي يشبه القماش المطوي وقد انتشر هذا النوع من الزخرفة وغيره من الزخارف القوطية في شمالي فرنسة والفلاندر والأراضي المنخفضة وألمانية واسكندنافية وإنكلترة ولكل منها خصائصها. وكانت أكثر قطع الأثاث الفاخرة في هذا القرن تطلى بالطلاء أو توشى بالذهب، كما كان بعضها يزين بقماش ثمين مثنى زاهي الألوان أو يزود بحشيات ووسائد، وقد استمر هذا التقليد حتى عصر النهضة.
الأثاث في عصر النهضة الأوربية
استلهم عصر النهضة، الذي بدأ ظهوره في إيطالية منذ القرن الخامس عشر، عناصره من الفنون الكلاسيكية اليونانية والرومانية التي كانت آثارها تملأ شوارع رومة والمدن الإيطالية الأخرى، وقد استمد المعماريون والحرفيون من تلك الآثار مبادئ التصميم والتناسب والتناسق بين العناصر المعمارية وانعكس ذلك على صناعة الأثاث في أوربة كلها.
1- في إيطالية: كان للتبدلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المهمة التي شهدتها إيطالية في ذلك القرن أثر كبير في تبدل مفاهيم كثيرة. وأدى النشاط التجاري المتزايد إلى نمو عدد من المدن الإيطالية المهمة نمواً سريعاً فتضخمت ثرواتها وارتفع عدد الأثرياء فيها وظهرت فيها أسر حاكمة قوية نافست الكنيسة بثرواتها ونفوذها ورعايتها للفنون، كما نافستها في بناء القصور الفخمة واقتناء الأثاث الفاخر الذي بلغ درجة من الترف لم يبلغها أثاث آخر في العصور السابقة. ومع أن الانتقال من أثاث العصور الوسطى إلى أثاث عصر النهضة تم تدريجياً، فإن حرفيي عصر النهضة الإيطاليين بذلوا جهوداً كبيرة حتى توصلوا إلى إعطاء قطع الأثاث مظهرها المتناسق وخطوطها الدقيقة، وظهرت أولى علامات التغيير في تزيينات الأثاث.
ومع أن الأشكال المعمارية بقيت مفضلة في زخارف الأثاث المحفورة كما كانت في العهد القوطي فقد تبدلت موضوعاتها، وصارت تضم الأعمدة والقوصرات والأقواس وأشكالاً معمارية أخرى كتلك التي تشاهد في خرائب الآثار اليونانية والرومانية، أو تستلهم من الموضوعات الشعبية الأسطورية المجردة الموروثة من العهود الكلاسيكية كأبي الهول والغرفين والساتير satyr إضافة إلى الزخرفة العربية والحلية الدرجية scrolls وأوراق الأقنثوس والأطفال الملائكة وآلهة الحب (كيوبيد) والتماثيل الحاملة caryatid التي تقوم مقام الأعمدة.


وكانت زخارف الأثاث في بدء عصر النهضة محدودة وقليلة العمق جميلة التفاصيل، ثم ازدادت غنى مع مضي الزمن، وشاع معها التطعيم بالأخشاب الثمينة الملونة وبالعاج وبالأحجار الكريمة، ومنذ أواخر القرن الخامس عشر استعمل الجبس الممزوج بالغراء مادة متممة في الزخرفة النافرة والملونة. وأكثر الخشب استعمالاً في أثاث عصر النهضة خشب الجوز. وكانت القطع الكبيرة من الأثاث ترتكز إلى قواعد واطئة وتسند إلى الجدار عادة. وأجمل الأثاث ما كان يخصص لغرف النوم في القصور إذ لم تكن تلك الغرف مخصصة للنوم فقط بل كانت تستعمل للقاءات الحميمة ولاستقبال الأصدقاء والزائرين، وكان السرير يزود في زواياه بأعمدة مزخرفة وتعلوه ظلة فخمة وتحيط به من الجانبين أصونة متطاولة تسمى كاسون Cassone أو «صندوق الزواج» مطورة عن الصناديق المعروفة في العصور الوسطى. وكان الصوان منها يزخرف عادة بأفاريز محفورة ومدهونة أو مطعمة.
أما موضوعات زخارفها فتشتمل على مشاهد من احتفالات الأعراس ومن الأساطير الكلاسيكية. وكثيراً ما كان ينفذ هذه الزخارف فنانون مشهورون، ويعد ما بقي منها إلى اليوم تحفاً فنية لا مثيل لها. وهناك نمط آخر مطور عن الصندوق أيضاً يسمى «ردنزا» Redenza وهو خزانة مرتفعة ذات أبواب ودروج وتستعمل لحفظ الملابس والبياضات وأطباق الطعام والفضيات.
كذلك تنوعت الكراسي في عصر النهضة، فمنها الكرسي الكبير المسمى «سيديا» Sedia وهو كرسي ثقيل متطاول بذراعين يشبه كرسي العرش مقعده منجد ومغلف بالجلد أو المخمل. وهناك كرسي يدعى سافونارولا Savonarola وآخر يدعى دانتي Dante ولكل منهما ذراعان. وهما من الكراسي المعدة للاستعمال المنزلي ويتصفان برشاقة خطوطهما المنحنية وأطرهما المتقاطعة التي تشبه الكراسي القابلة للطي التي شاعت في العصر السابق، وثمة كرسي آخر خفيف يعرف باسم ساغابلو Sagabello على قاعدة تشبه الصندوق وظهر مرتفع ضيق نقش عليه شعار نبالة أو موضوع كلاسيكي ورصع بالعاج.



وفي القرن السادس عشر بدأ «الموزاييك» الخشبي والتطعيم بالخشب والترصيع بالعاج يزاحم الحفر النافر في تقنيات صناعة الأثاث الإيطالي. كما أصبح التنجيد بالجلد والمخمل أو بأقمشة مرقشة بالرسوم أو غيرها هو السائد. ومن مبتكرات عصر النهضة أيضاً الطاولة المنزلقة (التي يمكن زيادة طولها) والمكتبة الطويلة المزدوجة المزودة بغطاء متحرك يفتح إلى أسفل ولها أدراج وحجيرات متعددة.
2- في إسبانيا: اختصت إسبانية بنوع من الأثاث عرف باسم «مادخار» Madejar متأثر بالأسلوب المغربي العربي مع بقاء الظهر أوربياً إلا أن زخارفه شرقية الطابع.
وقد اقتبست إسبانية عن إيطالية الكثير من أنماط أثاث عصر النهضة وطورتها محلياً منذ القرن السادس عشر فجاءت أشكال الأثاث الإسباني بسيطة المظهر متينة مستقيمة الخطوط قليلة التفاصيل والزخارف مدعمة بأربطة من الحديد المضغوط. وكانت الطاولات والمقاعد والكراسي والصناديق تقوى بالحديد المشغول وتزين به، كما كان للسرر غالباً أعمدة من حديد ومساند من جهة الرأس مزينة بمسامير ذات طبقات تزيينية. وفي الأثاث الإسباني أثر واضح للفن الإسلامي يبدو جلياً في الأشكال الهندسية المعقدة والزخارف الزهرية المطعمة بالعظم وعرق اللؤلؤ والمعدن.وقد شاع في إسبانية استعمال الجلد المزخرف على نطاق واسع، ويعد الإسبان أول من استعمل خشب الماهوني (ماهوغاني Mahogani) في صناعة الأثاث الغربي. ولكن أخشاب الجوز والسنديان والزيتون كانت أكثر شيوعاً، وأكثر قطع الأثاث الإسباني شهرة خزانة تسمى «فارغوينو» Vargueno تستعمل لحفظ الأشياء الثمينة. ولها باب من خشب يفتح إلى أسفل ليستعمل طاولة للكتابة وخلف الباب حجيرات وكوات صغيرة مطعمة ومزخرفة بالنقش والرسم.

3- في فرنسا: كانت صناعة الأثاث الفرنسية أول من تأثر بعصر النهضة الإيطالي. فقط أولع لويس الثاني عشر (1462-1515) بمظهر الأثاث الإيطالي إبان زياراته المتكررة إلى إيطالية فاصطحب معه عدداً من الحرفيين الإيطاليين، وكذلك فعل كثير من أفراد حاشيته، ويمكن تقسيم أثاث عصر النهضة الفرنسي إلى مرحلتين، كانت المرحلة الأولى منهما مرحلة انتقال واقتباس. ففي عهد لويس الثاني عشر والقسم الأول من عهد فرانسوا الأول (1515-1547) كانت قطع الأثاث قوطية الشكل عموماً أما تزييناتها فمختلطة تجمع بين الزخارف القوطية وتماثيل آلهة الحب والزخارف الأخرى التي جاء بها عصر النهضة - وأما المرحلة الثانية فتبدأ من أواخر عهد فرانسوا الأول عندما حل الأسلوب الجديد محل الأسلوب القوطي نهائياً، وتخلت أشكال الزخرفة العربية arabesque المفعمة بالحيوية عن مكانتها إلى العناصر المعمارية الجديدة بعد أن كانت قد شاعت في أوائل عصر النهضة، وغلب خشب الجوز والأبنوس على السنديان. وتركزت صناعة الأثاث في فرنسة في هذه المرحلة في فونتنبلو التي أنزل فيها فرانسوا الأول حرفييه الإيطاليين، وكذلك في إيل دي فرانس وبرغندي.

اتصف الأثاث الفرنسي في القرن السادس عشر بأناقته ورشاقته وغناه بالتزيينات وخاصة التطعيم بصفائح المرمر المشكلة والأحجار النادرة والترصيع marquetry بالعاج وعرق اللؤلؤ والأخشاب الملونة الثمينة. وصار الكرسي أخف وزناً وأرشق مظهراً، ومسند الظهر فيه ضيقاً وحل محل المساند الجانبية والقاعدة المصنوعة من ألواح الخشب ذراعان مخروطان ومزخرفان بالحفر، وأما قوائم الكرسي فربطت مع القاعدة بعوارض.وظهر إلى الوجود كرسي خاص سمي «كرسي الهمس» أو النميمة Caquetoire منخفض المقعد عالي الظهر ضيقه محني الذراعين يقال إنه صمم لجلوس السيدات وتبادل الأحاديث الحميمة.
أما الطاولات فقد كانت متطاولة أنيقة المظهر محمولة على كتيفات مزخرفة consoles أو أعمدة مخددة يربط بينها عوارض وتتوجها أعمدة وقناطر. وأما الصناديق المزخرفة بالأسلوب الجديد فقد ظلت مستعملة على نطاق واسع، وقد تكون الخزائن العالية بديلاً عنها، وكانت هذه الخزائن تصنع أحياناً من طابقين يضم العلوي منهما عدداً كبيراً من الأدراج الصغيرة.
4- في الأراضي المنخفضة وألمانيا:
تبنى مصممو الشمال الأوربي في القرن السادس عشر زخارف عصر النهضة الإيطالي ونقلوها إلى بلادهم وطوروها حتى تحولت إلى نمط مستقل بذاته وخاصة في شمالي ألمانية والأراضي المنخفضة، وتميزت قطع الأثاث في هذه المناطق من غيرها بالحلية الشريطية المتداخلة أو المطوية وبالأطر المزخرفة والأقنعة المٌنزَّل فيها الخشب، وكان الفنانون الألمان والفلمنغ يتبادلون فيما بينهم «كتالوغات» مصورة تحمل هذه الزخارف، وتأثر بها المعدنون والنحاتون والفنانون التشكيليون وصانعو الأثاث في المناطق الشمالية. ومن أبرز مصنوعاتهم طاولة ثقيلة من خشب السنديان بأرجل وعوارض ضخمة. وهي قابلة للإطالة أحياناً drawtable. كذلك كان السرير ثقيلاً مزيناً بستائر كثيفة لتوفير العزلة، إذ إنه قد يوضع في أي غرفة من غرف المنزل. أما الكراسي فالغالب فيها الكرسي الخشبي القابل للطي والمقعد المنخفض المخروط القوائم، بالإضافة إلى نمط جديد من الكراسي بقواعد ومساند تشبه «الدرابزين» أو العمود الملتف، وظهرها قائم مرتفع.
5- في إنكلترا: لم يكن لعصر النهضة الإيطالي تأثير مباشر في إنكلترة حتى العام 1520 سواء من ناحية التصميم أو الزخرفة. ولكن مرحلة تطوير متدرج من الأسلوب القوطي شهدتها إنكلترة متأثرة في أول الأمر بالأسلوب الإيطالي ثم بأسلوب الأراضي المنخفضة اعتباراً من منتصف القرن السادس عشر، فقد ظل الأثاث في بدايات ذلك القرن قوطي الشكل ثم بدأت تطغى عليه ملامح الزخرفة الإيطالية شيئاً فشيئاً، وثمة قطع كثيرة من عصر النهضة الإنكليزي المبكر تجمع بين الألواح الخشبية الثقيلة المزينة بطيات على شكل القماش والرؤوس المنحوتة على هيئة ميداليات وآلهة الحب (الكيوبيدات)، ولكن منذ منتصف ذلك القرن، حلت محلها زخارف وأشكال جديدة، وخف تأثير الفن الإيطالي المباشر ليحل محله تأثير الأراضي المنخفضة عن طريق الكتب المصورة وهجرة الفنانين والمصممين من تلك المناطق إلى إنكلترة، وعن طريق استيراد قطع الأثاث المصنعة في ألمانية والأراضي المنخفضة، وليتحول هذا الأسلوب في خاتمة المطاف إلى أسلوب إنكليزي منفرد، وأهم مميزاته وفرة أعمال الحفر المتموج والخراطة والتطعيم والطلي التي تغطي كل جزء من سطوح قطع الأثاث، وهي الصفة الغالبة على عصر النهضة الإنكليزي. وفي عهد الملكة إليزابيث الأولى (1558-1603) ارتفع مستوى الرفاه لدى الشعب الإنكليزي ارتفاعاً كبيراً في المنزل وخارجه، فتحسنت صناعة الأثاث وازدادت تنوعاً. وظهرت البدايات التجريبية للأثاث المنجد، وهناك سلسلة من الصناديق المطعمة التي تحمل مشاهد معمارية اصطلح على تسميتها «الصناديق الفريدة من نوعها» none such chests كانت تستورد من ألمانية أو يتولى صنعها حرفيون ألمان في إنكلترة. وقد كان لهذه الصناديق أثرها في إحكام تقنيات التطعيم التي طبقت في نهاية القرن السادس عشر على كل أنماط الأثاث.


وبغض النظر عن هذا التحول في الزخرفة فقد شهدت إنكلترة تبدلات كثيرة في تصميم بعض أنماط الأثاث في القرن السادس عشر، إذ شاع استعمال الكراسي، مع أن المقاعد الخالية من المساند ظلت وسيلة الجلوس الأساسية حتى في قصور الملكة إليزابيث الأولى وجرى تطوير كرسي جديد من الكرسي الصندوقي فغدت مساند اليدين والقوائم فيه مخروطة خالية من الألواح التي تسدها، في حين ظلت مساند الظهر في الكراسي لوحية ومزخرفة بالحفر والتطعيم، كذلك كانت الكراسي القابلة للطي بأشكالها المختلفة شائعة الاستعمال. وفي أوائل القرن السابع عشر أحدث كرسي جديد منجد منخفض الظهر عريض المقعد ومن دون ذراعين سمي الكرسي المنتفخ farthingale chair لأنه يناسب «التنانير» العريضة المنتفخة التي كانت ترتديها النساء آنذاك. وكان القماش المستعمل غالباً من المخمل أو من المطرزات الشرقية.

وأما السرير فكان في أوائل القرن السادس عشر مرتفع الجانب الأيسر غنياً بالزخارف المحفورة وأكثر موضوعاتها تنزيل الخشب الثمين فيها والتماثيل الحاملة والزخرفة الشريطية والبصلية والدعامات المخروطة والمقنطرة والعقود المختلفة.

وأما الطاولات فقد حلت الطاولة الخفيفة Joyned Table محل الطاولة القوطية الثقيلة، وغدا ترسها مثبتاً بالإطار، كما أدخلت إلى إنكلترة الطاولات المنزلقة القابلة للإطالة بسحب لوحين مخفيين تحت الترس العلوي، وكانت قوائم الطاولات وجوانبها تزخرف بالحفر والتطعيم. كذلك أدخلت إلى البلاد في العهد اليعقوبي أنماط مختلفة من الخزائن وأغلبها من طابقين كما أدخل بدءاً من العام 1620 نوع جديد من الصناديق البسيطة المزودة بأدراج.
الأثاث في عصر الباروك
ساد القرن السابع عشر أسلوب جديد في الفن والعمارة هو فن الباروك [ر] وقد ترك بصماته الواضحة على تصميم الأثاث في أوربة الغربية كلها، فغدت الخزائن والمكاتب والكتبيات الكبيرة شائعة وزودت جمعيها بأعمدة ملتفة وقوصرات منكسرة وحليات كبيرة، وازدادت العناية بالتفاصيل الزخرفية حتى شملت كل جزء من التصميم الكلي للقطعة في حركة متناغمة وتناسق تام، وقد تبنت الأراضي المنخفضة أسلوب الباروك منذ عشرينات القرن السابع عشر، وشرعت ألمانية وإنكلترة في تطويره متأخرتين، وهو مدين للمؤثرات الشرقية التي اكتسحت أوربة كلها في ذلك القرن حين أقامت الدول البحرية الأوربية، ولاسيما البرتغال وهولندة وإنكلترة، علاقات تجارية منتظمة مع الهند والشرق الأقصى، ولم ينصرم القرن السابع عشر حتى كانت تقنيات الزخرفة الشرقية قد انتقلت إلى أوربة وتأصلت فيها، ومال الحرفيون إلى استعمال الأخشاب المدارية الثمينة والثقيلة، وإلى تقليد الأسلوب الصيني خاصة والشرقي عامة في الزخرفة. ويرجع تاريخ أولى قطع الأثاث التي حملت ملامح أسلوب الباروك في الأراضي المنخفضة (الفلمنغ) إلى الربع الثاني من القرن السابع عشر، وأكثرها شيوعاً صوان الملابس المصنوع من خشب السنديان والمزود بأربعة أبواب، والكرسي المنجد الظهر والمقعد بالمخمل أو الجلد المثبت بالمسامير. ويمكن تمييز الأثاث الهولندي من الفلمنغي بوجود حواف مقولبة فوق الزخارف المحفورة إلى جانب مظهره المبسط. وقد شاع بعد ذلك استخدام الزخرفة بالتطعيم وكسوة السطوح بقشر خشب الجوز والطلاء باللك. أما إيطالية فقد تأخرت في تطبيق أسلوب الباروك على الأثاث حتى منتصف القرن السابع عشر مع أنها كانت من السابقين إلى استخدامه في العمارة والتصوير والنحت. وقد أنتجت إيطالية قطع أثاث محفورة ومطلية ومرسومة بأسلوب متماوج، ومزخرفة بموضوعات تقليدية كآلهة الحب وورق الأقنثوس والصدف واللفائف المتغضنة، كما أنتجت كراسي ومقاعد منجدة ومغلفة بالمخمل المقطع الملون، وطاولات سطوحها من المرمر أو الفسيفساء Pietra dura وخزائن ومكتبات أنيقة من خشب الجوز والأبنوس تعلوها قوصرات وأفاريز وزوايا مزخرفة بالحفر أو مطعمة بالمرمر أو الفسيفساء في قوالب.


وقد تمثل الفرنسيون التأثيرات الإيطالية إبان القرن السابع عشر تدريجياً، وبدأ يظهر لديهم أسلوب محلي متميز سرعان ما مدَّ تأثيره إلى البلدان المجاورة. وكان عهد الملك لويس الثالث عشر الذي شمل النصف الأول من القرن السابع عشر مرحلة انتقالية، وقام لويس الرابع عشر (1643-1715) بعده بتأسيس معمل الغوبلان Gobelin (1663) لإنتاج الأثاث الفاخر من أجل فرش القصور الملكية والمباني العامة.


وكان الأثاث يكسى عموماً بقشر الخشب المستورد أو قواقع السلاحف وينزل فيه النحاس والبيوتر Pewter (أشابة معدنية أساسها القصدير) والعاج وتموه كلها، وقد تغشى أحياناً بالذهب أو الفضة النافرة، كما استعملت في صنع الأثاث الأخشاب الثمينة المتعددة الألوان. وقد اشتهر فنانون فرنسيون كثيرون بإتقانهم هذه الصنعة وأضافوا إليها لمسات تخصهم حتى اقترنت بأسمائهم، ومنهم شارل لوبْرَنْ Charles le Brun رئيس الغوبلان (1663) وأندريه شارل بول Andre Charles Boulle الذي كانت الخزائن والمكتبات التي يصممها تغطى كلية بقواقع السلاحف وزخارف النحاس المنزل فيها بأشكال معقدة وأسلوب بارع، فكانت القواقع تشكل مع النحاس الأرضية والنموذج الزخرفي بالتناوب، وهو ما عرف عند أصحاب الصنعة بأسلوب بول، ومن مستحدثات هذا العصر في فرنسة الحشية الإضافية فوق الجلسة المنجدة في المقاعد والكراسي.
أما إنكلترا فلم تعرف أسلوب الباروك إلا بعد عودة الملكية Restoration (1660م) وشهدت البلاد منذئذ تطوراً كبيراً في صناعة الأثاث الإنكليزي بتشجيع من الملك ورجال الحاشية العائدين من المنفى ومعهم عشرات المهنيين من الفرنسيين والهولنديين، فصار الأثاث أخف وزناً وأتقن صنعة وأكثر تلاؤماً مع متطلبات الزبائن، وكان خشب الجوز يحتل المكانة الأولى مع استمرار استعمال خشب البلوط والسنديان في المقاطعات الريفية لأجيال عدة، وطبقت أساليب جديدة في تلبيس السطوح الكبيرة بألواح رقيقة من الخشب مزينة بنماذج زهرية مرصعة بأسلوب الماركتري Marquetry، وكانت كبيرة مبسطة في بادئ الأمر ثم صارت تميل إلى الصغر والتعقيد حتى انتهت إلى طراز خاص من هذه الزخارف المرصعة المكونة من لفائف صغيرة كثيرة عرفت باسم «ماركتري طحالب البحر» Seaweed marquetry. كذلك ظهر الميل إلى تلوين الأثاث وصبغه باللك تقليداً للأثاث الشرقي المستورد من الصين واليابان. وكلف به الناس حتى صار يعرف بالأسلوب الإنكليزي - الياباني (كان تقليد الطلي باللك الشرقي في إنكلترا ينسب إلى اليابان). وبدأت تخرج إلى
الوجود أشكال جديدة من الأثاث منها: السرير النهاري، وهو نوع من الأرائك يمكن تعديل شكل نهايته، والكرسي المجنح، والكرسي المغلف ذو المساند الذي أطلق عليه في القرن السابع عشر اسم كرسي النوم Sleeping Chair، ثم «الصوفا» Sofa (الصفة) التي ظهرت في أواخر القرن المذكور ولها ظهر ومساند لليدين توفر مزيداً من الراحة. وكان المخمل والحرير والقماش المطرز المواد المفضلة في التغليف. كذلك تطورت نماذج مختلفة من الأثاث المعد للمكاتب منها المكتب الذي يضم مقعداً وتقسيمات داخلية وأدراجاً صغيرة، وعم استخدام الصناديق ذوات الأدراج، ولم تعد المرايا من الأشياء النادرة، وكانت أطرها تزخرف غالباً بالحفر أو الترصيع وتطلى باللك. أما الأسرة فقد ازدادت ارتفاعاً وسعة وغلف ظهرها وظلتها وأطرافها بالقماش الفاخر، وجعلت لها أفاريز مقبولة أعطيت شكل ريش النعام أو آنية الأزهار عند زوايا الظلة. وفي أواخر القرن السابع عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر شاع في إنكلترة صنع الأثاث المحفور المموه بالذهب من طراز لويس الرابع عشر، ومال المصممون والصناع إلى التخفيف من الزخارف والتعقيد الذي تميز به أثاث عصر الباروك. وفي عهد الملكة آن ظهر طراز جديد في صناعة الأثاث الإنكليزي متأثر بالأثاث الهولندي، وتميز من سابقيه باختصار أعمال الحفر والزخرفة إلى الحد الأدنى، مع العناية بجمال القطعة بالاعتماد على دقة الخطوط المنحنية ولون قشر خشب الجوز ورشاقة القوائم المحنية التي تشبه قوائم الحيوانات وتنتهي بمخالب فوق كرة أو بأظلاف مع الاستغناء عن العوارض بينها، وصار للكرسي ظهر مطوّق قائم وسناد طويل يشبه آلة الكمان، ومال الناس إلى اقتناء الخزائن العالية والمكاتب المزودة بالرفوف والصناديق المزدوجة ذوات الأدراج و«البيرويات» Bureaus ذوات الطابقين لمواءمتها لمتطلباتهم، كما ظهرت طرز جديدة من طاولات المائدة واللعب وغيرها.
وفي أمريكا كان الأثاث الشائع بادئ ذي بدء في كل مستعمرة من المستعمرات الأمريكية متطابقاً مع ما اعتاده سكان تلك المستعمرة في مواطنهم الأصلية. وبسبب توافر مواد جديدة في تلك البلاد إضافة إلى تأخر وصول الأنماط المستجدة من الأثاث الأوربي بدأت تظهر في أمريكة أساليب وأنماط من الأثاث لا رابط بينها، وتشير الدلائل المتوافرة من بدايات القرن السابع عشر إلى وجود أشكال مبسطة من المقاعد والأنضاد والطاولات والخزائن والقليل من الكراسي وأكثرها مصنوع من السنديان وفق النمط الإليزابيثي وقليل الزخارف وبلون التراب.

ومع نهاية ذلك القرن شاع استعمال خشب الصنوبر والقيقب maple وغيرهما. ولما كان المستوطنون الهولنديون والاسكندنافيون قد جلبوا معهم بعض الأثاث الفردي من بلادهم، فقد ظهر في أمريكة في نهاية القرن السابع عشر طراز من الأثاث المختلط يجمع بين تأثيرات الدُّرجة mode الفرنسية والهولندية وطراز الملك جيمس ستيورات المتأخر، ومنذ ذلك الحين بدأت المستعمرات تتابع آخر ما ظهر من دُرجات، مع أن البيت العادي الأمريكي ظل محافظاً على الأثاث التقليدي المأخوذ من العصور الوسطى. فاستبدل بالصندوق العادي الصندوق ذو الأدراج الذي كان يوضع عادة على منصب خشبي قوائمه مخروطة. وحلت الكراسي محل المقاعد والأنضاد، وظهر سرير القيلولة المنجد والطاولة القابلة للطي وخزانة الكتب وخزانة الأواني، واستخدم اللون بدلاً من الحفر في تزيين القطع بالدهان وقشر الخشب والتطعيم بالأخشاب المتباينة الألوان أحياناً والمعادن أحياناً أخرى، ورافق ذلك استخدام القوائم المحنية (المقوسة) إلى الأمام أو الخلف في أكثر تلك القطع، وكانت في بادئ الأمر تزخرف بحفر قليل ثم غدت السمة الرئيسية في قطع الأثاث الموسومة بطراز الملكة آن Queen Ann Style وظلت سائدة في المستعمرات الأمريكية حتى الثورة الأمريكية.

القرن الثامن عشر وعصر الروكوكو
شهد القرن الثامن عشر ظهور عدة أنماط من الأثاث الغربي وكانت الريادة فيه لفرنسة وإنكلترة. بيد أن المؤثرات الفرنسية كانت هي الغالبة طوال ذلك القرن وخاصة الأسلوب الجديد الذي انطلق من فرنسة وأطلق عليه اسم «الروكوكو» Rococo وهو اسم مركب من كلمتين فرنسيتين Rocailles (الرصف بالحصى) وCoquille (الصدفة) ويقصد به تواتر استعمال هذين الموضوعين وأشباههما في تزيين الأثاث إضافة إلى موضوعات الأزهار والطيور واللفائف وأوراق النباتات والشرائط في خطوط منحنية لا متناهية، وقد يضاف إليها موضوعات أخرى مثل رسوم الحمام والكيوبيدات (آلهة الحب) والرعاة والساتيرات (آلهة اللذة عند الإغريق) والأشكال الرمزية الأخرى. وهناك أيضاً تصاميم من نمط الروكوكو مستوحاة من موضوعات صينية ومن أشكال القرود اللاهية Singeries، وكل هذه الموضوعات كانت تنفذ بالحفر والتطعيم والترصيع والطلي باللك الملون وبالإضافات المزخرفة من النحاس المذهب وغيره من دون اعتبار لنوع قطعة الأثاث وشكلها.


وكان ظهور أسلوب الروكوكو في فرنسة متدرجاً إثر مرحلة انتقالية قصيرة سميت أسلوب عهد الوصاية Regency. فبعد وفاة الملك لويس الرابع عشر عام 1715م جلس على العرش في فرنسة حفيده الصغير السن لويس الخامس عشر يرعاه وصي هو فيليب الثاني دوق أورليان، واستمر الأمر على هذه الحال حتى العام 1723 عندما بلغ لويس سن الرشد، وفي عهد الوصاية هذا تبدل مظهر الأثاث من الشكل المربع الفخم بخطوطه المستقيمة الذي تبناه لويس الرابع عشر إلى أشكال أكثر ليونة ورشاقة. ومع أن حجوم قطع الأثاث ظلت كبيرة وغنية بالزخارف فإن خطوطها غدت أكثر انحناءً وتناسقاً وانسياباً، وصارت القطع أخف وزناً وأقل تناظراً، وحلت الأخشاب الخفيفة محل خشب السنديان والجوز، واستعملت في كسوتها قشور الخشب الفاتحة الألوان. ومن أبرز صناع الأثاث الذين أسهموا في رسم تصميمات عهد الوصاية شارل كرسن Charles Cressent الذي احتلت الإضافات المزخرفة من النحاس المذهب ormolu مكانة مهمة في أعماله حتى إنها زاحمت «الترصيع» بالخشب الملون والأبنوس. أما السمة الرئيسية لأثاث عهد الوصاية والروكوكو فكانت سيطرة الخطوط المنحنية على أشكال القطع وزخارفها، ولم تقتصر الانحناءات على الأجزاء الخارجية من القطعة كالمساند والقوائم بل تعدتها إلى جميع أجزاء القطعة، فلا يجد الناظر إليها أي خط مستقيم، ومن أشهر قطع الأثاث التي تحمل هذه السمات الصوان المقبب ذو الأدراج Bombe Commode الذي ظهر أول مرة في عهد الوصاية.
تغلَّب أسلوب الركوكو المطور عن أسلوب الوصاية بالتدريج على صناعة الأثاث الفرنسي بدءاً من العام 1735 واستمر حتى العام 1765، ومن أشهر المصممين الفرنسيين في هذا المجال جوست ميسونيه Juste Meissonier وهو صائغ ونحات ومعمار عمل في خدمة لويس الخامس عشر وكذلك جان فرانسوا أوبن Jean- Francois Oeben الذي عين «صانع أثاث الملك» عام 1754، وكان أشهر صانع أثاث في تلك الحقبة


ومن أهم سمات هذه المرحلة أن استبدل بالأثاث الضخم أثاث أصغر حجماً يتناسب مع التوزيع المعماري الداخلي الجديد، فقد تحولت الصالات الرحبة والأبهاء الواسعة المنفتحة بعضها على بعض إلى غرف وقاعات مقسمة أصغر حجماً تناسب الوظائف المخصصة لها، وصار في وسع رواد الصالونات الجلوس والاتكاء على الآرائك بدلاً من الوقوف، كما كان يحدث في بلاط لويس الرابع عشر. وكان الكرسي في عهد الوصاية قصير القوائم مقنطر الظهر، أما الكرسي المنسوب إلى الملك لويس الخامس عشر (لويكانز) فغدا أصغر حجماً وأكثر إراحة وملاءمة لجسم الإنسان ومتسقاً مع حجم الغرف، وغدت قوائم الكرسي أوثق اتصالاً بقاعدة مقعده وظهره ومسندي اليدين، فكان الكرسي يؤلف وحدة متكاملة. وظهر في هذه الحقبة أنواع كثيرة منها كرسي منجد كله باستثناء إطاراته المحيطية سمي «برجير» Bergere بأرجل محنية أو على شكل حرف S، وظهر عال ومسندي يدين متصلين بالظهر، وأضيفت إلى جلسته حشية إضافية من الحرير أو المخمل محشوة بالريش أو القطن أو الصوف. وهناك أيضاً الكرسي الطويل «شيزلونغ» Chaise Longue المخصص للتمدد والاسترخاء، والدوقية (الماركيزة) Duchesse وهي «أريكة» صغيرة على هيئة الغندول لشخصين على شكل الكلوة. والسلطانية Sultane وهو كرسي طويل بمسندين وحِشْيَة غير ثابتة للاسترخاء أيضاً استعيرت تسميته من الشرق

أما السرر فكانت نوعين، الأول فرنسي صرف معد لينصب في وسط غرفة النوم وله مسند ظهر من جهة الرأس فقط، والنوع الآخر بولندي مجهز بمسند من جهة القدمين، أما الظلة فبقيت كما كانت في السابق وإن تبدلت زخارفها وطريقة نصبها. وتعددت كذلك أشكال الطاولات، ولعل أحدثها «القنصلية» Console، وهي منضدة صغيرة تثبت إلى الجدار ولها قائمتان من الأمام، وتعلوها مرآة في إطار مثبت إلى جسم القنصلية.

أما الأخشاب الأكثر استعمالاً في طراز الروكوكو فهي الزان والجوز والاسفندان والكرز البري والزيتون والسيكامور إضافة إلى بعض الأخشاب النادرة في فرنسة كالخشب الأحمر والليمون والنخيل والأبنوس وغيرها.

وبدءاً من أربعينات القرن الثامن عشر انتقلت تأثيرات أسلوب الروكوكو إلى إيطالية وأنتجت فلورنسة أثاثاً جميلاً للغاية يحمل سمات الطراز الأصلي للويس الخامس عشر وفيه خطوط لينة ومنحنية وعناصر نحتية وزخارف تغطي معظم سطوح القطع، أو رسوم منمنمة لمشاهد وأشكال إنسانية وزهور وموضوعات تماشي الأسلوب الصيني وكانت بعض سطوح الأثاث تغطى باللون الأحمر الموشح بظلال ذهبية وباللون الأزرق، وهما من العناصر التزيينية في هذا الطراز الإيطالي. وفي ألمانية بالغ صناع الأثاث في استخدام الروكوكو بنجاح كبير واستخدموا اللك في طلي القطع، وابتكروا له ألواناً متعددة بدلاً من الأحمر والأسود، وأتقنوا هذه الصنعة حتى صُدِّرت منتجاتهم إلى فرنسة نفسها (الشكل 30).
أما في إنكلترة فقد شاع منذ بداية القرن الثامن عشر استعمال خشب الماهوغاني المستورد حتى طغى على خشب الجوز، كما ساد أسلوب بلاديو في التصميم الداخلي (وهو أسلوب منسوب إلى المعمار الإيطالي أندريا بلاديو Andrea Palladio من عصر النهضة (1508-1580)، وتطلب ذلك وجود قطع أثاث أكبر حجماً وأكثر فخامة من القطع المكسوة بقشر الجوز، وقد استلهم المصممون الإنكليز التصميمات الداخلية من القصور الفرنسية والإيطالية، وأولهم وليم كنت (1685-1747م) William Kent الذي شرع في تصميم قطع أثاث كلاسيكية في محافظتها على أسلوب بلاديو مع تبني زخارف أسلوب الباروك، ويعرف هذا الأسلوب باسم الملكة آن (1704-1794) ومن هذه القطع مرايا مموهة بالذهب ومناضد جانبية ومجموعات من الكراسي المنجدة والمقاعد المغلفة بالمخمل المطرز بالرسوم. ومع غلبة هذا الأسلوب فقد بدأ أسلوب الروكوكو يزحف على إنكلترة بدءاً من أربعينات القرن الثامن عشر، وانتشرت فيها مصورات تضم نماذج هذا الطراز المتأثر بالأسلوب الفرنسي، فقد نشر توماس تشيبندال Thomas Chippendale دليلاً لصناع الأثاث سنة 1754 ضمَّنه رسوماً لكثير من الأثاث الإنكليزي من طراز الروكوكو وتفرعاته المتأثرة بالأسلوب الصيني والأسلوب القوطي. وقلده في عمله هذا كثيرون من مشاهير المصممين حتى غدا أسلوب الروكوكو شائعاً في إنكلترة منذ النصف الثاني من ذلك القرن وغدا اسم تشيبندال معروفاً على كل لسان مع أنه لم يكن هو المصمم الفعلي لما نسب إليه .
ومنذ منتصف القرن الثامن عشر صار لكل نشاط من الأنشطة اليومية التي يمارسها الإنسان بعض قطع الأثاث المخصصة له، في حين تنوعت أشكال القطع الأساسية كالكراسي والخزائن والسرر والطاولات كما تنوعت زخارفها فصار من غير الممكن إحصاؤها، حتى إن أنواع الكراسي من طراز الروكوكو تجاوزت المئات ولم يعد لمبتكرات صناع الأثاث حدود تقريباً.
وفي المستعمرات الأمريكية استمر التأثير الإنكليزي نافذ المفعول حتى الثورة، وكان مزارعو الجنوب يميلون إلى اقتناء أثاثهم من لندن مباشرة، في حين كان تجار الشمال وأصحاب الثروات في فيلادلفية ونيويورك وبوسطن وغيرها يفضلون الاعتماد على صناع الأثاث المحليين الذين كانوا يضعون بصماتهم الخاصة على طرز الأثاث المستوحاة من إنكلترة، فظهرت لديهم نماذج محلية، وخاصة طراز تشيبندال، كما توصلوا إلى ابتكار طرز خاصة بهم وبنوعية جيدة.
النمط الاتباعي الجديد

لم يعم أسلوب الروكوكو عالمياً، وكان الاعتراض على الإسراف فيه كبيراً، وراح مصممو الأثاث يبحثون عن ملامح جديدة لتصميماتهم منذ خمسينات القرن الثامن عشر. وإثر وفاة لويس الخامس عشر سنة 1774 حدثت ردة فعل مهمة في فرنسة حيال حياة البذخ التي تعيشها طبقة النبلاء، وتدهور الوضع المعاشي لعامة الناس. في حين لفتت التنقيبات الأثرية التي جرت في بومبي وهيروكولانيوم الأنظار مجدداً إلى العالم الكلاسيكي القديم، وشدت اهتمام المثقفين والفنانين فمالوا إلى إحياء تقاليده وقيمه. ووجد المعماريون وصناع الأثاث في العودة إلى الكلاسيكية مخرجاً، وكان من رواد هذه المرحلة الفنان والحرفي جان هنري ريزنيير Jeam Henri Riesener الذي طور مع آخرين طرزاً جديدة من الأثاث ابتعدوا فيها عن أسلوب الروكوكو المعقد إلى الأشكال المستطيلة والمربعة البسيطة بخطوطها المستقيمة، ومالوا إلى محاكاة الزخارف اليونانية والرومانية القديمة كالبيضة والحربة واللؤلؤة والصقور والدلافين ورؤوس الحيوانات وأوراق النباتات، واستخدمت الأخشاب الغريبة في إبراز أعمال الترصيع بأشكال هندسية وطبيعية وإنسانية وحيوانية أو تشكيلات معمارية ولوحات زهرية، مع إضافات جديدة تمثلت في ألواح الخزف المنسوب إلى مدينة سيفر Sevres Porcelain Panels والزجاج المصور Verre eglomise واللك الصيني، وتراجع استخدام الحفر أمام التطعيم والترصيع والدهان بالألوان الفاتحة التي تنسجم مع تغطية الجدران، وقد عرف هذا الأسلوب بأسلوب الاتباعية الجديدة Neo chassical ويطلق عليه
أيضاً طراز لويس السادس عشر Louis Seize وكانت الأخشاب الشبيهة بالماهوغاني والخشب الأسود والأحمر هي المفضلة في هذا الطراز، وتستعمل ألواحاً وقشوراً، ويزيد في غناها استخدام حواضن وزخارف شبكية أو على شكل أشرطة منمنمة من النحاس المذهب المشغول، مع التمويه بالذهب والبرونز. ومن ابتكارات هذه المرحلة الصوان الهلالي Demi lune Commode والصوان الزاوي Encoignuer، والمكتبة الصغيرة الواطئة التي عرفت باسم «أثاث الاستناد» meuble d'appui والمكتب المغلق Secretaire à abattant وأصبحت أرجل قطع الأثاث من هذا الطراز مستقيمة مخروطة أو ملفوفة أو محلزنة، وظهر الكرسي مستقيماً أو بيضياً أو مفرغاً على هيئة القلب أو القيثارة، أما الأسرة فظلت منوعة الأشكال ولكن ظلاتها بدأت تتقلص تدريجياً.

وفي
 إنكلترا التي خضعت لتأثيرات الأثاث الأجنبي ردحاً من القرن الثامن عشر توصل الحرفيون إلى تطوير الأنماط المجلوبة وتعديلها بما يتفق والذوق الإنكليزي، واستطاعوا تصميم أنماط تحمل ملامح مميزة. وساعد ارتفاع مستوى المعيشة في القرن الثامن عشر في ازدياد متطلبات المواطن الإنكليزي من الأثاث وتوابعه، وتذوقه للنواحي الجمالية، مما هيأ الشروط المناسبة لقيام صناعة أثاث راقية اتخذت منحيين في العصر الجورجي (نسبة إلى الملوك جورج الأول والثاني والثالث الذين توالوا على الحكم بين 1714 و1820م).
وكان المنحى الأول انتهاج أسلوب بلاديو الذي تبناه وليم كنت، وأما المنحى الثاني فهو محاكاة أسلوب الروكوكو الفرنسي وتطويره، بريادة تشيبندال، وكانت الغلبة لأنصار بلاديو بعد ظهور الاتباعية الجديدة. ويعد الأخوان روبرت وجيمس آدم [ر] Robert and James Adam من رواد الاتباعية الجديدة، فقد نشرا عام 1777 كتاباً عن أعمالهما كان لـه تأثير في تذوق الأسلوب الجديد حتى اقترن باسمهما Adamesque، وقلدهما فيه صناع الأثاث المعاصرون. ومن أبرز هؤلاء جورج هبلوايت George Hepplewhite الذي نشر دليلاً لصناع الأثاث والمنجدين (1788) وتوماس شيراتون الذي نشر كتاب «رسوم لصناع الأثاث والمنجدين» (1791).
كان الدهان والتمويه بالذهب مفضلين عند الأخوين آدم، وأما الحفر فأقل استخداماً وخفيفاً إن وجد، وكان الأخوان آدم يميلان إلى تخديد قوائم الأثاث المستقيمة، ويميلان إلى استخدام القماش المنسوج من شعر الخيل والحرير المزهر والجلد والنسيج المصور الفرنسي والإنكليزي في تنجيد قطع الأثاث. أما هبلوايت الذي لم يأت بأفكار جديدة فقد اشتهر بتطويره للأسلوب الجديد وإدخال
تعديلات عليه اقترنت باسمه، ومنحت قطع الأثاث التي اقترحها نعومة وتناسقاً أكثر من تلك التي صممها الأخوان آدم، كما اشتهر بمناصرته للرسوم الملونة في زخرفة القطع، واستخدام الخشب الأطلساني Satinwood الذي غدا الخشب المفضل في صناعة الأثاث أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، كما مهر هبلوايت في استخدام أخشاب أخرى كخشب شجر التوليب tulipwood والخشب الأحمر sycamore والأبنوس وخشب الورد والكرز، وفي استخدام الترصيع والتلبيس بالقشر إلى جانب الرسم زيادة في التزيين، وكانت قطع الأثاث التي صممها أصغر حجماً وأخف وزناً وأكثر أناقة من قطع معاصريه.
وفي العقدين الأخيرين من القرن الثامن عشر ازداد الميل في إنكلترة إلى التناظر في الشكل والتناسب التام بين أجزاء القطع ونعومتها وإلى إعطاء مساند الظهر في الكراسي والمقاعد والأرائك شكل الدرع أو القلب، وإلى تخديد قوائم الطاولات وغيرها وهو الاتجاه الذي كان يفضله توماس شيراتون واقترن باسمه. ومن ابتكاراته السريران التوأمان والطاولات المتمفصلة الجوانب وكذلك الأقسام المخفية والسرية في القطع التي يصممها واستعماله الأقفال والنوابض المساعدة لتحريك مغاليق تلك الأجزاء أو إخفائها.
وأما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد راجت الاتباعية الجديدة في هذه الدولة المستقلة حديثاً ومال أصحاب الأعمال والأموال في بوسطن وسالم ونيويورك إلى فرش قصورهم بأثاث من إنتاج صناعيين محليين من أمثال صمويل ماكنتاير Samuel Mcintire وجون سيمور John Seymour. ولم يكن إنتاج كل واحد منهما سوى ترجمة شخصية لنماذج هبلوايت - شيراتون، والميل إلى استخدام الخشب ذي الألوان الفاتحة، وكانت سطوح القطع مستوية عموماً وتزخرف بالتطعيم بخشب متباين الألوان أو بحفر خفيف على طريقة الأخوين آدم. وأكثر القطع شيوعاً الخوان الجانبي (وهو قطعة من أثاث غرفة الطعام فيه أقسام وأدراج ورفوف لحفظ أواني المائدة) وكذلك مكتب «السكرتارية» الصغير، وكلاهما تصميم أمريكي متميز، إضافة إلى كرسي ويندسور Windsor والكرسي الهزاز المتقلقل.
القرن التاسع عشر

أدت الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر إلى توقف كثير من المناشط والحرف في فرنسة ومنها النجارة وصناعة الأثاث، إلا أنها بدأت تسترد نشاطها تدريجياً في عهد حكومة المديرين وتولي نابليون بونابرت منصب القنصل العام. وفي هذه المرحلة ظهرت أول مرة «ورشات» للصناعة تملكها أسر ويعمل فيها أفرادها، ومنها ورشة «جاكوب إخوان» أبناء جورج جاكوب Georges Jacob التي احتلت مكانة خاصة في صناعة الأثاث في عهد حكومة المديرين وقنصلية نابليون (1799-1804). ومن أبرز ما قامت به هذه الورشة تأثيث قصر مالميزون الذي اتخذته جوزفين زوجة نابليون سكناً لها. وبعد تتويج نابليون إمبراطوراً (1804-1815) عاد الأثاث الفرنسي لمكانة الريادة في أوربة وامتد تأثيره إلى العالم الغربي كله، وأطلق عليه اسم «الأسلوب الإمبراطوري».
وقد اتصف أثاث هذه المرحلة بمظاهر الرصانة والعظمة المستمدة من التراث اليوناني والروماني الكلاسيكيين إلى جانب السمات الزخرفية المستمدة من مصر وكريت واليونان ورومة، وقد جمع الحرفيون الفرنسيون بين هذه العناصر بمهارة وخاصة في استعمالهم النخل وأكاليل الغار والأزهار والحيوانات والطيور والأشكال الهندسية والمعمارية ورموز الأشخاص والزخارف المعدنية المذهبة كالسيف والدرع والحربة والبيضة والراية، في حين اختفت من قطع الأثاث الخطوط المنحنية والحلزونية. وكان للمعماريين الفرنسيين شارل بيرسيه Charles Percier وبيير فونتين Piere Fontaine وكذلك لصانع الأثاث بيير دي لاميزانجير Pierre de la Mesangere فضل ابتكار هذا الأسلوب الإمبراطوري الذي يعد استمراراً للاتباعية الجديدة في العمارة والأثاث، ونسخة طبق الأصل من الأثاث الكلاسيكي القديم مع بعض التعديلات واللمسات المعاصرة كالتلبيس بقشر الماهوغاني والإضافات المشغولة من النحاس المذهب. أما موضوعات الزخرفة فمستوحاة من العصور القديمة، حتى إن بعض أنواع الأثاث المحدثة التي لم يكن لها نماذج سابقة كانت تزخرف وتوشى بتزيينات من ذلك الزمن.

ومع أن الأسلوب الإمبراطوري لم يلق الاستحسان على نطاق واسع فقد انتقل إلى بقية البلدان الأوربية وشاع في وقت قصير، وساعد في انتشاره حروب نابليون وانتصاراته في أوربة، وكانت البلاد الأوربية تتقبله وتضفي عليه قبسات من لمساتها المحلية فيبدو مختلفاً، ففي روسية تميز هذا الأسلوب من غيره باستعمال مواد معينة، ومنها الزجاج، إضافة إلى بساطة التفاصيل، وهذه السمة الأخيرة اتصف بها الأثاث الألماني الذي يعرف باسم بيدرميير (الأسلوب المبسط) Biedermeier Style. وفي إنكلترة أضيفت على هذا الأسلوب تعديلات أخرى تتفق مع الذوق الإنكليزي واستلهمت بعض موضوعات زخارفه من الأثاث النابليوني ومن الانتصارات البحرية التي حققها الأدميرال نلسون، وصار يعرف بالأسلوب الإمبراطوري الإنكليزي أو بأسلوب عصر الوصاية الإنكليزي، ذلك أن الملك جورج الثالث أصيب بلوثة في عقله في أواخر حكمه وتولى ولده الوصاية عليه بين العامين 1810 و1820، ولكن الأثاث الذي عرف بهذا الاسم كان قد ابتدأ يروج في إنكلترة منذ العام 1795 وظل درجة شائعة حتى أواخر الثلاثينات من القرن التاسع عشر مع أنه لم يكن على شيء من الأناقة والجمال
أما في الولايات المتحدة فقد عرف الأثاث المحلي المعاصر للأسلوب الإمبراطوري باسم الأسلوب الاتحادي وامتد زمنه من العام 1789، بعد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية حتى العام 1820م، وأشهر صانعي الأثاث في الولايات المتحدة في هذه المرحلة دونكان فيف Duncan Phyfe (1768-1854م) الذي تنوع إنتاجه وأدخل تعديلات كثيرة على الأنماط الأوربية وخاصة الأرائك والطاولات الثلاثية الأرجل والخوان الجانبي والكراسي التي لها مساند ظهر على شكل القيثارة، وأقبل عليها الناس لتناسب أجزائها وأناقة مظهرها ودقة تفاصيلها، وأفضل إنتاجه كان من خشب الماهوغاني والخشب الأطلساني، وكان يفضل لقطعه القوائم النحيلة المخروطة أو المخددة التي تنتهي بعقب معدني، ومنذ العشرينات من القرن التاسع عشر راح يصنع أثاثاً من النمط الإمبراطوري المقتبس عن الأصل الفرنسي، وعرف هذا النمط باسم «أثاث الجزارين» Butchers Furniture لثقله وكثرة زخارفه. وفي أواخر العهد الفدرالي راج استعمال كرسي أطلق عليه اسم كرسي هتشكوك نسبة إلى مصممه لامبرت هتشكوك Lambert Hitchcock مأخوذ من كرسي شيراتون مع قوائم مخروطة ومقعد من الأسل rush أو الخيزران وظهر مقوس مزين برسوم الفواكه والأزهار والطيور وغيرها، وثمة نمط آخر من الأثاث ظهر في هذه الحقبة واختصت به طائفة دينية تدعى «شيكرز» Shakers (الراجفون أو الهزازون) وهي طائفة أمريكية اشتراكية يعتقد أفرادها أن حركات الجسد واهتزازه جزء من العبادة، وقد راج استعمال هذا النمط من الأثاث لبساطة مظهره وخفته وخلوه من الزخارف أو ندرتها، وهي من السمات المفضلة في الأثاث إلى اليوم.




الفكتوري

أدت المبالغة في تفخيم الأسلوب الإمبراطوري وتزويقه في أواخر عهد نابليون في فرنسة وعهد الوصاية في إنكلترة إلى تراجع واضح في مظهر الأثاث من الناحية الجمالية وتأخر مستوى الصنعة فيه، حتى توقف إنتاجه تماماً منذ أربعينات القرن التاسع عشر. وأدت الثورة الصناعية والنمو الاقتصادي السريع وإدخال الآلة وتوافر وسائل النقل والمواصلات إلى قيام معامل متخصصة بصناعة الأثاث في أوربة وإنكلترة والولايات المتحدة الأمريكية، وإلى إنتاج الأثاث بوساطة الآلات بكميات كبيرة تلبية لمتطلبات السوق. وكان من نتائج ذلك غض النظر عن كثير من المبادئ والتفاصيل والنواحي الجمالية التي كانت تحتل حيزاً كبيراً من عناية صانعي الأثاث اليدوي، كما تقلصت أعداد الحرفيين المهرة وانصرم العصر الذهبي لصناعة الأثاث في أوربة، فلم يسجل العصر الفكتوري المنسوب إلى الملكة فكتوريا (حكمت بين 1837و1901) أي ابتكار مميز، وجاءت أكثر قطع الأثاث في هذه الحقبة فجة الصنعة بعيدة عن الجمال، يستثنى من ذلك بعض الأثاث الذي كان ينتج بناء على توصيات خاصة وبكميات قليلة.

لم يسجل العصر الفكتوري أسلوباً مميزاً يحمل سماته، بمعنى أن معامل صناعة الأثاث والمصممين لم يحدثوا أنماطاً جديدة مبتكرة، بل مالوا إلى التقليد غير الناجح، وكان معظم الأثاث في المرحلة الأولى من العهد الفكتوري (1830-1860م) إحياء وتجديداً للأنماط والأساليب السابقة التي عرفتها أوربة وأمريكة من الأسلوب اليوناني القديم والقوطي والنهضة الإيطالي إلى الباروك والركوكو ولويس الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، وحتى الاتباعية الجديدة والأسلوب الإمبراطوري مع تعديلات وإضافات وتنويعات مختلفة من هذه الأساليب في الجمع والزخرفة، إضافة إلى الأشياء التزيينية الكمالية في التصميم الداخلي للبناء كالسجاد الشرقي وجلود الدببة والوحوش الأخرى ومناديل المائدة والرفوف المخصصة للطُّرف والأغطية المطرزة لمساند الظهر واليدين والحجب وستائر الخرز وغيرها. وفي المعرض الكبير الذي أقيم عام 1851 بدت بريطانية العظمى الدولة الرائدة في صناعة الأثاث التجاري المنزلي المناسب لأكثر طبقات المجتمع في بريطانية نفسها وفي القارة الأوربية وما وراء البحار.



وفي هذه المرحلة أيضاً اخترع النابض اللولبي المعدني واستعمل في تنجيد الأثاث وساعد في توفير مقدار أكبر من الراحة في الكراسي والأرائك والأسرّة وما شاكلها، وأدى إلى تطوير فن التنجيد وإلى تغليف القطع كاملة وتزيينها بالضفائر والبريمات والهدابات، وراج إنتاج «الأطقم» الكاملة (من ست قطع أو اثنتي عشرة قطعة) بدلاً من القطع المنفردة. وفي المرحلة الثانية من العصر الفكتوري (بدءاً من سبعينات القرن التاسع عشر) ظهرت بوادر حركة فنية جديدة تدعو إلى إحياء الحرف اليدوية وتلفت الأنظار إلى رداءة الإنتاج الآلي تزعمها في إنكلترة الشاعر الفنان وليم موريس William Morris (1834-1896م)، وطبق دعوته عملياً بإقامة «ورشة» خاصة للأعمال الفنية والأثاث، في محاولة منه لرد الاعتبار إلى هذه الصنعة وإثارة الحس الجمالي لدى مواطنيه. وقد تأثر به كثيرون في إنكلترة والبر الأوربي، وسار على خطاه المعمار البلجيكي الشهير هنري فان دي فلده Henri Van de Velde (1863-1957م)، الذي اقترن اسمه بأسلوب «الفن الجديد» Art Nouveau في العمارة والأثاث، وتنقل بين موطنه وفرنسة وألمانية، وعين في العام 1902م مديراً لمدرسة «فايمار» للفنون والمهن التي صارت تعرف فيما بعد اسم «باوهاوس» Bauhaus. وانتقلت هذه الحركة إلى فرنسة حيث تزعمها هكتور غيمار Hector Guimard. وقد اتسم الأثاث المنتج بهذا الأسلوب بالأشكال الأفعوانية الإنسيابية المستوحاة من موضوعات طبيعية وحيوانية مجموعة مع قبسات من الفن الياباني، ولاقى رواجاً كبيراً في أوربة في تلك الحقبة.







وفي الولايات المتحدة ساعد تأسيس متحف متروبوليتان للفنون (1870) ومعرض فيلادلفية (1876) في تقديم مفاهيم رفيعة المستوى عن الفن والأعمال اليدوية إلى الجمهور.




وقد أتاحت الاتصالات الوثيقة بين المدن الأمريكية الكبرى وأوربة إمكانية الاطلاع على آخر الاتجاهات الفنية فيها، وإنتاج نسخ من الأثاث الأوربي الرفيع المستوى. أما في المناطق الريفية والبعيدة في قلب القارة الأمريكية فقد كان عدد أصحاب الأموال القادرين على اقتناء مثل هذا الأثاث قليلاً وعدد الحرفيين الماهرين فيها قليلاً، أيضاً، فكان الأثاث الذي ينتج هناك أكثر محافظة في الأسلوب وأقل تكلفة من حيث المواد والزخرفة، ويميل إلى البساطة والتواضع وهي السمة العامة التي تسم صناعة الأثاث في الولايات المتحدة إلى اليوم.


أدت بعض الابتكارات والتحسينات التي شهدتها صناعة الأثاث في القرن التاسع عشر إلى إحداث تغيير في تقنيات صناعة الأثاث، وظهور أنواع وقطع مبتكرة فيه. فقد وفر استعمال الخشب الرقائقي المعاكس plywood المصنوع من طبقات مغراة من رقائق الخشب، إمكانية تطويع الخشب بحسب الرغبة، وهو من ابتكار النجار جون هنري بلتر John Henry Belter الألماني الأصل الأمريكي الجنسية. ولاقى إنتاجه من قطع الأثاث من نمط لويس الخامس عشر المجدد رواجاً كبيراً في خمسينات القرن التاسع عشر. كذلك توصل صانع الأثاث النمسوي ميشيل ثونيت Michael Thonet إلى تحسين طرائق حني الخشب الرقائقي والمصمت باستخدام البخار الساخن، ولاقى إنتاجه من الكراسي رواجاً كبيراً أيضاً.
تطلق صفة الأثاث الحديث عادة على الأثاث الذي أنتج منذ أوائل القرن العشرين حتى اليوم.
وقد اتخذ تصميم الأثاث الحديث منحيين اثنين: أولهما إحياء الأساليب التقليدية مع حرية التصرف في إدخال تعديلات عليها، إذ يندر التقليد الحرفي في هذا المجال. وثانيهما الاستجابة للمتطلبات الحياتية المعاصرة المتأثرة بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية الاستهلاكية، وبتطور فن العمارة والمساحات السكنية. وقد اجتذب هذا المنحى أكثر المواهب المعنية بصناعة الأثاث منذ أواخر القرن التاسع عشر، وفتحت المواد والتقنيات الجديدة الأبواب واسعة أمام صناع الأثاث للابتكار والتنويع حتى صار التجديد هدفاً أساسياً من أهداف هذه الصنعة.




غلبت على صناعة الأثاث في العقدين الأولين من القرن العشرين الاتجاهات التقدمية التي ظهرت في أواخر القرن السابق، وكان أكثرها تأثيراً حركة «الفن الجديد» التي تزعمها البلجيكي هنري فان دي فلده، وتبنتها مدرسة «نانسي» في فرنسة، ومن مبادئها استخدام أشكال الطبيعة وأحيائها في الزخرفة والشكل واعتماد الانحناءات الأفعوانية النحيلة المعبرة عن حيوية الطبيعة، إلى جانب التركيبات البعيدة عن التناظر المستلهمة من الفن الياباني، والزخارف التجريدية التي تؤكد الأثر النفسي للانحناءات واتجاهاتها. وقد تأثر بهذا المذهب أيضاً مصممون ألمان من أمثال ريتشارد ريمرشميت R. Riemerschmid وبرنار بانكوك B. Pankok من ميونيخ.






أما في إنكلترة فكانت الغلبة للأفكار التقدمية التي نادت بها جماعة «الفن والصنعة» ومدرسة غلاسكو واستمر تأثيرها حتى الحرب العالمية الأولى. وتبنى هذا المنهج أيضاً رواد مجموعة «ورشات فيينية» (النمسة) Wienen Werkstatte التي أسست عام 1903 وضمت أكثر المصممين والحرفيين في العاصمة النمسوية. وكان من هؤلاء جوزيف هوفمان J. Hoffmann وكولومان موزر C. Moser. وقد أنتجت هذه المجموعة أثاثاً بسيطاً من الخشب المحني المعالج بالحرارة أو المكسو بقشر الخشب والمزخرف بالتطعيم والترصيع، واقتبس أكثره عن ماكنتوش Cherles Rennie Mackintosh البريطاني.



وفي ألمانية ظهرت في بداية القرن العشرين حركة تقدمية تدعو إلى الجمع بين الجمال الهندسي لقطع الأثاث والاقتصاد في المواد مع استخدام الآلات، وعمل المصممون الألمان على تطوير هذا المنهج حتى بلغ ذروته في مدرسة «الباوهاوس» للفنون والمهن التي أسست في مدينة «فايمار» (ألمانية) سنة 1919 بإشراف مؤسسها فالتر غروبيوس Walter Gropius، ثم انتقلت إلى «ديساو» Dessau عام 1925. وكان من أهداف هذه المدرسة الجمع بين الفن والتصميم الصناعي لإنتاج كل ما يلزم للاستخدام وليس الزينة، والإفادة من الخبرات المهنية في تطوير الصناعة، وتدريب الطلاب على تصميم الأثاث وإنتاجه بالجملة. وكان من مبادئ هذه المدرسة الاقتصاد في المواد وخفض التكلفة والإفادة القصوى من مردود المكنات والتقنيات الجديدة، وإجراء التجارب على المواد المستحدثة مع المحافظة على المظهر الجمالي للقطع المنتجة. وقد تولى إدارة هذه المدرسة عدد من مشاهير المعماريين والمصممين والفنانين إلى أن أغلقها هتلر عام 1933، وتمكنت من إنتاج أثاث جميل ومريح ومناسب للوظيفة المخصص لها، استعملت في إنتاجه أنابيب الفولاذ المطلي بالكروم والباكليت الأسود وألواح الزجاج والخشب، وكان أكثر الأثاث الذي أنتج في أوربة منذ ثلاثينات القرن العشرين مقتبساً عن أصول ابتكرتها مدرسة الباوهاوس.



تأثر المصممون الهولنديون بأفكار المدرسة الألمانية وأنتجوا نمطاً من الأثاث أطلقوا عليه اسم «دي شتيل» (أي الأسلوب De Stijl) واقترن اسمه باسم صانع الأثاث الهولندي الشهير غيريت ريتفلد Gerrit Rietveld الذي صمم في العام 1918 كراسي من شرائح الخشب الرقائقي المطبق مجموعة بوساطة لوالب (براغي) ومطلية بألوان أولية. كذلك صمم المعمار المجري الأصل مارسيل برويور Marcel Breuer الذي تعلم في الباو هاوس وترأس ورشة صناعة الأثاث فيها (1925-1928) أثاثاً خشبياً من نوع «الستيل» كما صمم أول كرسي مصنوع من أنابيب الفولاذ Tubular Steel وعرف باسم «كرسي فاسيلي» Wassily Chair. وممن سار على النهج نفسه المعمار الألماني لودفيك ميز فان در روهه Ludwig Mies Van der Rohe الذي ينسب إليه كرسي «برشلونة»، والمعمار السويسري لو كوربوزيه Le Corbusier الذي صمم الكرسي الطويل والكرسي المحني إلى الخلف ووضع تصميمات مبتكرة من القضبان الفولاذية أما في البلاد الاسكندنافية فقد ساعد توافر الخشب على إنتاج أثاث حديث مكافئ لأسلوب الباوهاوس مع استعمال تقنيات جديدة في تطبيق الخشب ومعالجته وحنيه. وقد صمم الفنلندي ألفار آلتو[ر] Alvar Aaalto والسويدي برونو ماتسون Bruno Mathsson كراسي ذوات أطر من الخشب الرقائقي المطبق ثبتت مقاعدها وظهورها بالطريقة التي استخدمت في الباوهاوس، وكانت الكراسي التي صممها آلتو قابلة للتراكم الواحد فوق الآخر تمشياً مع متطلبات القرن العشرين والاقتصاد في المساحة.
كذلك توصل الدنمركي كار كلنت Kaare Klint وتلميذه موغنز كوخ Mogens Kooch إلى حل آخر لمشكلة الفراغ بابتكارهما الكراسي والمقاعد المطوية Collapsible chairs كما صمم الدنمركي هانز فغنر Hanz Wegner أثاثاً مواده الخشب والفولاذ. على النقيض من هذه المدارس حافظ المصممون الفرنسيون على إنتاج الأثاث الفاخر الأنيق من الخشب الثمين المطعم بالعاج والفضة والنحاس، وطوروا إنتاجهم وفق نمط خاص يسمى «فن الديكو» Deco Art، وأنتج المصمم الفرنسي جاك إميل رولمان J. Ruhlman أثاثاً بهذه المواصفات، كما صمم الشريكان لوي سو Louis Sue وأندره مار Andre Mare أثاثاً كلاسيكياً مطوراً من مواد غالية الثمن وعليه زخارف منمقة مستوحاة من الفن الإفريقي ومزينة بجلد حمار الوحش أو الجلد المحبب. وفي إيطالية ازدهرت صناعة الأثاث في ثلاثينات القرن العشرين على غرار «الفن الجديد» وصمم الإيطالي غيو بونتي Gio Ponti كرسياً بذراعين على هيئة زهرة اللوتس، وصمم كارلو مولينو Carlo Molino بعيد الحرب العالمية الثانية طاولات وكراسي من ألواح الخشب الرقائقي المطبق مقطوعة ومحنية بأشكال متراكبة، وسار على النهج عدد من مشاهير المصممين الإيطاليين ومنهم أوزوالدو بورساني Osvaldo Borsani وماركو زانوسو Marco Zanoso، وقاسمهما الشهرة في هذا المجال البريطانيان روبين داي Robin Day وإرنست ريس Ernest Race وقد ابتكر داي كراسي مميزة منها الكرسي المصنوع من مادة البولي بروبيلين المقولب بالحقن (وهي مادة جديدة صنعت سنة 1954)، أما ريس فقد ابتكر كرسياً من الألمنيوم الصب نال عليه الميدالية الذهبية في معرض ميلانو عام 1954، وصمم كرسيين من قضبان الفولاذ عام 1951 أطلق على أحدهما اسم «الظبي» Antelop وعلى الثاني اسم «القوفز» Spring bok (القوفز نوع من الظباء يعيش في جنوبي إفريقية).


وفي الولايات المتحدة الأمريكية سار إنتاج الأثاث على خطى الأثاث الأوربي، فأنتج المصمم الفنلندي الأصل الأمريكي الجنسية إليل سارينين Eliel Saarinen أثاثاً من نمط «فن الديكو» عام 1923 ولاقى رواجاً كبيراً، في حين أدخلت شركة هاول في شيكاغو أسلوب الباوهاوس إلى الولايات المتحدة وأنتجت الأثاث المصنوع من أنابيب الفولاذ بكميات تجارية، وأكثره من تصميم فولفغانغ هوفمن ابن جوزيف، كما ظهر في حقبة ما بين الحربين العالميتين أسلوب ثالث أكثر أصالة يعتمد الصفات الجمالية لناطحات السحاب والقاطرات والسيارات، واستعملت فيه مواد جديدة كالألمنيوم والباكليت. كذلك جرت في الولايات المتحدة تجارب طموحة لقولبة الخشب الرقائقي بأشكال ثلاثية الأبعاد، وكان «شارلز إيمز» وزوجته «راي» Charles and Ray Eames رائدين في هذا المجال وصمما كراسي مقاعدها من الخشب الرقائقي المقولب أو البوليستر أو الأسلاك المحبوكة، وظهورها مثبتة إلى أطر معدنية من الفولاذ المطلي بالكروم.





وطور جورج نلسون G. Nelson مفهوم الخزائن أو المكتبات الجدارية Storage Wall التي تتألف من مكتبات ورفوف ومكاتب مجموعة بترتيبات مختلفة ومثبتة إلى الجدار، وابتكر آيرو سارينين Eeero Sarinen ابن إليل في الأربعينات طاولات وكراسي من اللدائن المقولبة أو الخشب الرقائقي المقولب استوحيت أشكالها من الأعضاء الحية كما تدل عليها أسماؤهما: «زهرة السوسن» Tulip و«الرحم» womb وغير ذلك.


وفي أوائل الخمسينات توصل هانز كنول H. Knoll (وهو سليل أسرة ألمانية من صانعي الأثاث هاجرت إلى الولايات المتحدة مع غيرها من حرفيي الباوهاوس) إلى صنع المطاط الرغوي والإسفنج الصنعي foam rubber واستعمله هاري برتويا Harry Bertoia في تنجيد كرسي صنعه من قضبان الفولاذ الملحومة.
بعد الحرب العالمية الثانية ونتيجة الانفجار السكاني وارتفاع مستويات المعيشة في أوربة والولايات المتحدة، بالإضافة إلى تطور العلوم والتقانة في مختلف المجالات، وتواتر ظهور مواد جديدة تصلح لصناعة الأثاث كالألياف الزجاجية والمطاط الرغوي والإسفنج الصنعي واللدائن والبوليستر والألمنيوم، غلب على صناعة الأثاث المفهوم التجاري الموحد العناصر فتقلصت التفصيلات الزخرفية والشكلية في التصميم، وكثر إنتاج القطع المتمفصلة والقابلة للتركيب والجمع بأشكال مختلفة كالمكتبات الجدارية والرفوف المركبة والإطارات الشبكية المتعددة الوظائف والأرائك والمقاعد - السرر (القابلة للتحويل إلى سرير)، وأطلقت يد المصممين والصناع في اختيار المواد التي تناسب تصاميمهم والوظائف المطلوبة منها من حيث توفير المتانة والراحة والجمال مع قلة التكاليف، وساعدت وسائل الاتصال والإعلام والمعارض والمؤتمرات على حل هذه المعادلة الصعبة بتوفير إمكانات الاتصال وتبادل الخبرة بين مصممي الأثاث في مختلف أنحاء العالم، وكان من نتائج ذلك محاولات توحيد المفاهيم التقنية المتعلقة بصناعة الأثاث، وتنامي التجارة الدولية بالمواد والسلع المصنعة، وظهور نمط عصري من الأثاث يمكن أن يطلق عليه اسم النمط العالمي Cosmopolitan Style يجمع أفكار المصممين ويقارب بينها وبين وسائل الإنتاج الحديثة والمواد المستحدثة وتتبناه صناعة الأثاث في مختلف دول العالم وتستجيب فيه لمتطلبات السوق الشعبية. وفي المقابل يرفض كثير من المصممين والحرفيين المهرة التخلي عن مهنة صناعة الأثاث التقليدي وموادها التقليدية كالخشب الجميل والمواد الثمينة ويسعون في أعمالهم وصحفهم ومعارضهم إلى إحياء صناعة الأثاث بمظاهرها الجمالية والفنية. ومن هؤلاء الرسام والنحات الأمريكي هارتون إيشريك Wharton Esheriek الذي ابتكر أثاثاً خشبياً مزخرفاً بالحفر الناعم والسطوح الحبيبية، وكذلك المعمار جورج ناكاشيما G. Nakashima الذي أبدع قطعاً فنية ليس لها نظير، وسام معلوف S. Maloof الذي استوحى الأثاث التقليدي في ابتكار كرسي هزاز، ووندل كاسل Wendell Castle الذي ابتكر في سبعينات القرن العشرين نماذج شاعرية من الخشب المحفور والمطبق وصنع في منتصف الثمانينات قطعاً فاخرة ملبسة بقشر الخشب مستوحاة من فن الديكور

سورية والبلاد العربية




تسير صناعة الأثاث في أكثر البلاد العربية في اتجاهات ثلاثة مختلفة: يهتم الاتجاه الأول بمتابعة نموذج صناعة الأثاث العالمية وإنتاج قطع الأثاث النمطية المستخدمة في المكاتب والأماكن العامة على أساس الوظيفة في مصانع متخصصة لهذه الغاية وبأيد محلية. أما الاتجاه الثاني فيعنى بإنتاج الأثاث الفني العصري المقتبس في أكثره من النماذج الغربية التقليدية والحديثة مع محاولة إضفاء لمسات محلية أو شرقية عليه بما يتناسب مع استعمالاته، ومعظم هذا الأثاث من الأخشاب المعالجة أو الطبيعية وغالباً ما يتم تصنيعه يدوياً في ورشات النجارة الموزعة في المدن. وأما الاتجاه الثالث فهو محاولات إحياء الأثاث الإسلامي الشرقي المحفور والمطعم والمكفت والمُنزّل فيه الصدف و«الموزاييك» والعاج والمعدن وترميم ما بقي منه في البيوت والمساجد والكنائس، وإنتاج أشكال جديدة منه، مع محاولة المصممين المحليين وضع بصمات جديدة على هذا النوع من الأثاث ليغدو مناسباً لاستعمالات العصر، ويبقى إنتاج هذه الأنواع محدوداً ومخصصاً لفئات معينة من الناس.




1 comment :

  1. شكرا لكل الناس اللى طرحو أرائهم هنا
    معلش يا جماعة ممنوع حد يحط اعلان او رابط موقع خاص بيه هنا

    ReplyDelete